لقد أصبح تعبيرُ «مجتمع المعلومات» في أيامنا هذه بمثابة شعار سياسي واقتصادي، بمعنى أنه يمثل على لسان العديد من قادتنا الأفق الذي يتعين علينا الوصول إليه من أجل الحصول على مستوى المعيشة والتنمية الأمثل لأكبر عدد من الناس. يختفي وراء هذه الخطابات التعبوية تعريف ضمني لهذا النوع «الجديد» من المجتمع الذي يطلق عليه أيضا اسم مجتمع ما بعد الصناعة أو مجتمع المعرفة، ويميلُ إلى الإشارة حصريًا إلى تبادل المعلومات الذي غالبًا ما يُعتبر مرادفًا للتواصل والمعرفة. في هذا، يبدو أننا ما زلنا نعتمد كثيرا على التعريفات الأولى المقدَّمَة في سبعينيات القرن الماضي. وفي حين سبق أن وصف مؤلفون آخرون الشيء نفسه بطريقة ما دون أن يُسمّوه(Richta: 1969, Bell: 1976) ، كان بيل (1976) Bell من أوائل من نظَّروا له حقا ومنحوه اسمًا، هو «مجتمع ما بعد الصناعة». وفقا لبيل، يتسم هذا المجتمع بخمسة جوانب أساسية هي:
- الانتقال من نظام إنتاج السلع المادية إلى اقتصاد الخدمات (أساسا الصحة، والتعليم، والبحث، والإدارة)؛
- تحويل بنيات العمل في اتجاه هيمنة الاختصاصيين والتقنيين ذوي التأهيل العالي؛
- مركزية المعرفة النظرية المولدة للابتكار والنمو الاقتصادي؛
- ظهور تكنولوجيات جديدة للعقل؛
- وأخيرا، إتقان أكبر للتطورات التقنية والاجتماعية المتسارعة.
باختصار، يصف لنا بيل مجتمعًا من الدرجة الثالثة يشكل تداول المعلومات على جميع المستويات شرط وجوده الأساسي، ومن ثمة هذا الدور الرئيسي المسنَد لتكنولوجيات الإعلام والاتصال الجديدة (NICT). ومع ذلك، وهذا ما أودّ إظهاره هنا، لا يمكن تعريف مجتمع المعلومات بهذه التكنولوجيات وحدها. يجب توسيع نطاق هذا التعريف بحيث لا يشملها وحدها، فيشمل أيضًا علوم البيوتكنولوجيا التي تكتسب أهمية متزايدة (Castells: 1998 et Escobar: 1994) ويتوافق منطقها الأساسي مع منطق تكنولوجيات الإعلام والاتصال. أقترح في البداية توضيح هذا المنطق المتمثل في الرغبة في السيطرة على الحياة، أو حتى الرغبة في تحقيق الخلود، من خلال التحكم في المعلومات بجميع أشكالها، ما يُبرِّرُ اسم «مجتمع المعلومات» بمعنى «المجتمع المهووس بالمعلومات».
ثم سأظهر، في مرحلة ثانية، أن هذا التقارب بين البيوتكنولوجيا وتكنولوجيات الإعلام والاتصال يشكل مُجمَّعًا تكنوعلميا (أو تكنولوجيا علميا) يؤدي تدريجياً، من خلال امتلاك الإنسان سلطة التحكم في مصيره، إلى تعميم الممارسات التي تعدل جسده بعمق، وربما تعدل جوهره في المدى الطويل. من المقبول عادة في هذه الأيام أنَّ أجهزة تنظيم ضربات القلب، وزراعة شبكية العين، وأعضاء اصطناعية تقنية تنعتُ بالذكية لأنها محوسبة، يمكن أن تساعد كائنا حيا عاجزا من خلال إكمال وظائفه، بل وحتى تحسينه على نحو متزايد. ومع ذلك، رغم أن هذا الانصهار بين البشر والآلات غير ضار، فهو يمكن أن يعرض جوهر وجودنا الإنساني للخطر، إذ تنطوي مثل هذه الممارسات على كل أنواع الصعوبات الاجتماعية والأخلاقية. فالمريض يجد نفسه ملزما بدمج سماته الجديدة رمزيا ليسند إليها معنى بغاية الحفاظ على – أو استعادة – تكامله بوصفه فردا، وكذلك عضوا في النوع البشري. بالطبع، من المهم للغاية التفكير فيما قد يترتب عن ذلك من عواقب على شخص على وجه التحديد، لكنني مهتمة أكثر بأشكال المجتمع الجديدة التي يمكن أن تؤدي إليها هذه الممارسات، ومهتمة – أكثر من ذلك – بما يمكن أن يحدث للنوع البشري.
من الخلود الجسدي إلى الخلود العقلي
ما وراء اختلاف البيوتكنولوجيا وتقنيات المعلومات التي توصف دائمًا بأنها «جديدة» رغم قدمها النسبي، فهما معا تشاركان في متخيل واحد يحيل بوضوح إلى فكرة الخلود. بخصوص البيوتكنولوجيا التي يتم تطبيقها على البشر، أي التحكم في الحياة وإطالة الحياة بدنيا، هذا جانبٌ واضحٌ ومسألة بديهية، لذلك لن أطيل فيه. في المقابل، يبدو من المهم فحص فكرة الخلود كما تظهر من خلال تكنولوجيات الإعلام والاتصال الجديدة، بمعنى خلود العقل، وذلك ليس فقط لأن هذه الفكرة ليست واضحة للعيان مباشرة، ولكن أيضًا وبالخصوص لأنها تنتشر تدريجيا حسب ما يبدو، وبالتالي يمكنها أن تحل في آخر المطاف محل فكرة خلود الجسد. عندها ستصبح البيوتكنولوجيا، من خلال قدرتها على التدخل المباشر في الإنسان، الوسيلة التقنية لتحقيق طموحات تكنولوجيات الإعلام والاتصال الجديدة، مما سيؤدي إلى إدخال تعديلات هائلة على الكائن البشري. سأعود في القسم الثاني إلى هذه النقطة النظرية البحثة حول النتائج الفعلية الممكنة. أما الآن، فسأركز على المتخيل الذي تنقله تكنولوجيات الإعلام والاتصال الجديدة. يبدو أن الخلودَ الذي ظل يُعرَّفُ لقرونٍ بعبارات لانهاية جسدية، أو بألفاظ دينية تتمثل في خلاص الروح بعد موت الجسد، يبدو أنه يشهد إعادة تعريف تدريجية اعتمادا على المعلومة التي تحظى بقيمة كبيرة جدا في مجتمعنا: هناك ميل متزايد إلى البحث عن خلود ما فينا من معلومات، وميل متناقص إلى ما هو روحي أو جسدي. للاقتناع بذلك، يكفي تحليل الإنتاجات الخطابية، على قلتها، وممارسات أولئك الذين يُحضِّرون مستقبل النوع البشري في الظل، داخل المختبرات[1]. يمكن تسليط الضوء في خطاباتهم على وجود انتقال في فكرة الخلود، من خلود الجسد إلى خلود العقل. علاوة على ذلك، في استبيان قدمته لحوالي 350 شخصًا[2]، حاولت رؤية ما إذا كانت الأفكار التي حصلتُ عليها من خلال لقاءاتي مع المهندسين ستجد صدى خارج مختبراتهم، إذ كانت النتيجة كالتالي: إذا كانت أغلبية المستجوبين ترى أن معنى الخلود هو البقاء الجسدي (61٪)، فـ 14٪ منهم يعرّفون الخلود بأنه بقاء العقل وليس الجسد، كأن يُنزَّل هذا العقل في حاسوب، على سبيل المثال. أما الـ 25٪ المتبقون، فيرون أن الخلود هو خلاص الروح. بالأرقام المطلقة، لا تمثل نسبة 14٪ عددًا كبيرًا من الناس. ومع ذلك بالنظر إلى الجانب المبتكِر في الأفكار المنقولة، فهذه النسبة تبدو مرتفعة للغاية.
أشار أوجيه مؤخرًا إلى أن المفارقة تتمثل في أنه يتم التفكير في الموت والخلود معا انطلاقا من الجسد (Augé: 2001, 44)، لكن أبحاثي تقودني إلى العكس، وهو أن المفارقة تتمثل في أنَّ التفكير في الموت والخلود يتم، على نحو متزايد، بدون الجسد وخارجه. من هذا المنظور، يتم النظر إلى العقل حصريا تقريبًا بأنه موطن هويتنا في استقلال عن الجسد، ومن ثمة يكون الدماغ هو العضو الأكثر أهمية. هكذا، فمشروع دمج جسد فرد مع دماغ شخص آخر يسمى زراعة الجسد[3]، حيث لا يبدو هذا الأخير سوى حامل للعقل، يمكن أن يكون في المستقبل القريب شيئا آخر غير جسد الإنسان الذي سيصبح آنذاك مما عفا عليه الزمن (Stelarc: 1994)، وذلك من أجل التوافق التام مع احتياجات الإنتاج الصناعي لعصر الميكنة المتجاوَز في أيامنا هذه. تميز القرن XVIIIم بسيطرةٍ على الأفراد، من خلال أجسادهم، وصفها فوكو (1975) Foucault بـ «التأديب» (1975). لقد جعلت الثورة الصناعية الجسد أداة لا غنى عنها للإنتاج، كان من الضروري الحفاظ عليها في حالة جيدة لمصلحة الصناعة. وعلى المنوال نفسه، منذ أكثر من قرن، أولت النظافة الصحية اهتماما بالغا لتربية الناس على الوقاية ونظافة الجسد (Heller: 1988). وفي الآونة الأخيرة، شاعَ التحفيز على ممارسة الرياضة، واتباع الحمية، والعناية بالجسد، بشكل عام، باسم الصحة والجمال. وكما ذكر بعض المؤلفين، بعيدًا عن أن تشارك مثل هذه الشعائر الجسدية في تحقيق إمكانيات الشخص الكاملة لمصلحته، فهي تخدم في الواقع مصالح المجتمع (Baudrillard: 1970) الذي يستخدم الجسد من أجل إنتاج أكثر وأفضل، بالتالي يبدو الحفاظ على صحة الأشخاص وسيلة لضمان حسن سير نظام الإنتاج.
في مجتمعنا الذي يُطلق عليه اسمُ مجتمع المعلومات، توصف هذه الأخيرة بأنها أهم رأس مال، إذ لا يمكن لحيازته إلا أن تجلب الثروة والسعادة لأكبر عدد من الناس، لاسيما من خلال تطوير قطاع الخدمات. بعبارة أخرى، هذا يعني أنه إذا كان المجتمع الصناعي قد احتاج إلى سواعد، وعضلات، وقوة، وإلى جسد، بكل اختصار. فمجتمع المعلومات يحتاج كي يتحقق بشكل كامل إلى أدمغة قادرة على معالجة المعلومات. وكما كان الحال بالنسبة لأجزاء أخرى من الجسد خلال العصر الصناعي، فالاتجاه اليوم هو التركيز على الدماغ والذاكرة البشرية، بوصفهما مجرد آلتين، أي جهازي كمبيوتر. بمعنى آخر، يبدو أن كل نوع من المجتمعات يركز على الأعضاء المفيدة وفقًا لقيم زمنه. وفي الوقت الحاضر، هناك ميلٌ إلى اعتبار العقل والدماغ أو الذاكرة شبه مترادفين، واختزالهما في مراكمة معلومات تستعمل لخدمة احتياجات مجتمعنا. في هذا المنظور، يبدو أن الهدف هو زيادة كمية المعلومات القابلة للاستخدام مباشرة من لدن الفرد. يرى مينسكي (1992) Minsky أنه في عام 2035 سيكون المعادل الإلكتروني لعقل الإنسان صغيرًا كرأس أصبع. آنذاك، يمكن للجميع، حسب رأيه، أن يوسع ذاكرته بفضل ذاكرات إضافية[4]. وأفضل طريقة لترويج كل هذه المعلومات هي القضاء على كل العقبات المادية، بما فيها الجسد ما دام كثيرا ما يُنظر إليه على هذا النحو. يبدو من المقبول أنه يجب على المرء، ليكون أكثر سرعة وكفاءة، أن يكون قادرًا على الاستغناء عن جسده والتركيز على دماغ محشو بجميع أنواع المعلومات (Cerqui: 1998): لذلك نحن بحاجة إلى الجسد فقط ليكون وعاء للمعلومات في انتظار تحميل عقولنا إلى أجهزة الكمبيوتر. في الواقع، حتى في أكثر الخطابات مستقبلية، مهما كان العقل حرا، فهو غير قابل للتصور مطلقا في استقلال عن حامل ما. في الذكاء الاصطناعي، يُنظر إليه بأنه برنامج «يحتاج إلى حامل مادي» (Besnier: 1990, 154).
نحو إنسان مطابق لمُثل مجتمع المعلومات
إذا كان الأمر هنا يتعلق بالطبع بميل يشتغل على مستوى المتخيل أكثر مما هو واقع ملموس، فيقين أن الإنسان سيعمل بشكل أفضل إذا تخلص من جسده يتسق تماما مع قيمنا الغربية وممارساتنا. توضح شبكة الإنترنت هذه الظاهرة بشكل جيد للغاية: القصد جعل أدمغة الناس تتصل ببعضها البعض دون استخدام الجسد، فتكون بذلك بمثابة واجهة. في الواقع، ليس هذا مما يفاجئ لأن تاريخ مصطلح «الشبكة» نفسه يدل على أن الشبكات بشكل عام تنتج تأثير الانفصال عن الجسد. بدأ استخدام مصطلح «الافتراضي» بشكل أساسي منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي لوصف ما يسمى بـ «الواقع الافتراضي»، ثم بدأ يُطبَّق تدريجيا على الإنترنت. ومع ذلك، رغمَ أنَّ هذه الظواهر توصف كلها بأنها «افتراضية»، إلا أن منطق كل واحدة منها مختلف تمامًا. ففي حين يميل الواقع الافتراضي إلى إعادة وضع جسد الإنسان، وإعادة خلقه، في بيئةٍ محاكاةٍ، تشير الشبكات في مُثُلها إلى الترابط بين العقول، وإلى نوع من ترابط أدمغة خالصة متحررة من ثقل الجسد (Cerqui: 2000a). وكما يقول راينغولد، «في الشبكة يتم القيام بكل شيء «بشكل حقيقي»، والجسد وحده هو ما يُترك في الخلف» Rheingold: 1995, 3)). لتوضيح هذا الانفصال عن الجسد في الحياة الاجتماعية، لنفكر في مسألة التصويت الإلكتروني التي تقترحُ، للحد من الامتناع عن التصويت، أداء هذا الواجب الوطني في البيت دون الحاجة إلى التنقل. كأنه يمكن حل هذه المشكلة تقنيا لا غير، أو بعبارة أخرى كما لو كان الناسُ يعزفون عن الخروج إلى مكاتب الافتراع فقط بسبب أن المشكلة ذات طبيعة عملية صرفة. في هذا المنطق، يُدرَكُ الجسد بمثابة كتلة للروح. تسير ستون (1991) Stone هي الأخرى في هذا الاتجاه عندما تفسر بعض التعابير التي تتحدث عن الشعور بالحرية الجسدية بعبارات التحرر من الجسد. ويظهر هذا الميل إلى الرغبة في القضاء على الجسد بشكل خاص فيما اعتُبر إنجازا حقيقيا في عام 1999، عندما تمَّ تمكين رجل تعرض جسده لشلل كلي من الاتصال بجهاز كمبيوتر عبر أقطاب كهربائية متصلة بدماغه (Le Monde, 6 décembre 1999, 12) تلتقط موجات الدماغ المنبعثة خلال عملية التفكير ثم تنقلها إلى الحاسوب تمامًا كما لو كانت تنبعث من فأرة كمبيوتر. بعد بضعة أسابيع، استطاع المريض أن يحرك المؤشر على الشاشة بمجرد أن يفكر «أنا أنقل المؤشر»، فتخطى ما وُصف بأنه خطوة انتقالية، خلالها كان يفكر «أنا أحرك يدي لتحريك المؤشر». الخيار المتخذ في هذه التجربة واضح: ليس الهدف منها على الإطلاق استعادة المريض لحركاته الجسدية، أو حتى الوعي بامتلاك الجسد. على العكس، تم اعتبار جسده عديم الفائدة تماما. وفقًا لميلودي مور Melody Moore مديرة التقنيات المعلوماتية للمشروع، كلما كانت الواجهة مباشرة كانت أكثر فاعلية. بذلك، يظهر هذا المريض بمثابة نموذج أولي لعالم من العقول المتصلة ببعضها البعض.
المعلومات باعتبارها أدنى قاسم مشترك
تكشف دراسة خطاب المهندسين الذين شاركوا بطريقة أو بأخرى في تطوير هذا النوع من التقنيات أن الكثيرين منهم يعتقدون اعتقادا راسخا أن العلم والتقنية سوف يجعلانا في يوم من الأيام قادرين على المحاكاة التامة لكل ما يشكل الكائن الإنساني. بمعنى آخر، هم لا يرون أي حدود فلسفية أو أخلاقية لعملهم: الحدود الوحيدة الموجودة هي حدود التقنية نفسها، والتي ستتراجع بالضرورة. من المحتمل أن يتم فهم كل شيء وبالتالي تقليده إلى أصغر التفاصيل، بما في ذلك العمليات العقلية التي تُختزل في مثل هذه الرؤية إلى «مجرد» عمليات فيزيائية وكيميائية. في هذا المنطق، على الرغم من أن تعقيد الدماغ البشري غير قابل للتحكم كليا في الوقت الحالي، فسيتحقق ذلك دون شك في يوم من الأيام، وسيمكن بناء تقليد / محاكاة له. ويمكن للطاقة المسخرة لإعادة إنتاج مادية الكائن الحي أن تدحض للوهلة الأولى الاتجاه الذي وضحته الآن. ومع ذلك، يمكننا أيضًا افتراض أن الاهتمام ببعد الكائنات البشرية المادي مستمد من يقين قابلية كل مادة للترجمة إلى معلومات (Wiener: 1952). وفقا لهذه النظرية، ليس الجسد نفسه سوى تراكم للمعلومات. وكما نرى، مع الانبهار أمام خريطة الجينوم البشري تصير ترجمة الجسد إلى كود معلوماتي أكثر إثارة للذهول من ماديته.
بعبارة أخرى، لم نعد في سياق القطيعة الديكارتية بين الجسد والعقل: فالحدود تقع، من جهة، بين الجسد والعقل منظورا إليهما باعتبارهما جزيئات، بالتالي موادا، وبين ترجمتهما إلى معلومات من جهة أخرى؛ هذه الأخيرة تشكل رمز الوصول الذي يجعل من الممكن فهم كل مادة ومحاكاتها فكريا. وبما أنه يتم تصور هذه المعلومات بوصفها القاسم المشترك الأدنى لكل مادة ومعرفة، فهي ما يُشكل حاليًا قطب اهتمام تكنولوجيا المعلومات والاتصال والبيوتكنولوجيا نفسه. هكذا، فاسم «مجتمع المعلومات» يصف بطريقة دقيقة حقيقة قيم مجتمعنا: تحتل فكرة المعلومات مكانة مركزية في كل من اليوتوبيا والإيديولوجية اللتين تتقاسمهما الأغلبية في أيامنا هذه. ووفقًا لنيجروبونت (Negroponte: 1995, 11)، مع تطور مجتمع المعلومات «أصبح الانتقال من الذرات إلى البتات[5] أمرا لا مرد له ولا رجعة فيه». بدلا من ذلك، أرى أنَّ ترجمة الذرة إلى أجزاء صغيرة bits هي سمة عصرنا. وكما يقول أطلان (Atlan: 2001, 268)، إذا لم يكتشف أي أحد في الحمض النووي ADN «هذا الهيكل المنطقي المفترض أنه برنامج حاسوب أو أقل عنصر دلالي يسمح برؤية بنية لغوية موجودة فيه، ولو شكلية»، فسيبقى من الصعب مع ذلك الاعتراف بأن الحمض النووي عشوائي، لأن تأثيراته على الأحياء تبدو مهمة للغاية بحيث لا يمكن تركها كليا للصدفة. لا يسحر الكود في حد ذاته فقط، ولكن أيضًا لأنه دليل على تحكمنا في أنفسنا. يرى فوكو (Foucault: 1985, 13) أن:
«تدخلات الكود وفك الشفرة، في أبسط مستويات الحياة، تفسح المجال لخطر، قبل أن تكون مرضا أو عجزًا أو فظاعة. خطر يشبه اضطرابا في النظام الإعلامي. شيء من هذا القبيل هو بمثابة «ازدراء». وفي الحد الأقصى، الحياة هي ما هو قادر على ارتكاب الخطأ، ومن هنا طابعها الراديكالي».
يَعبرُ الخللُ البيولوجيا من جانب لآخر. وما يستهدفه التحكم في جميع الأكواد هو هذه الـتعقيدات الخفية للحياة على وجه التحديد: تحكم يتم إخفاء جوانبه الإيديولوجية والطوباوية: «أن يكون التحول الجيني مميتا أو لا، فهو في نظر الفيزيائي، ليس أكثر ولا أقل من استبدال قاعدة نووية بأخرى» (Foucault: 1985, 12). ومع ذلك، لا شك في وجود هذه الجوانب، يواصلُ فوكو في هذا النص نفسه المكرس لـكانغيلام Canguilhem الذي يرى أن «الحياة والموت ليسا في حد ذاتهما قضيتي فيزياء، (…)؛ إنهما مسألة أخلاقية أو سياسية، وليس مسألة علمية». أرى أنه يجب على أي تفكير اجتماعي أو أنثروبولوجي أو فلسفي أو أخلاقي في هذا النوع القضايا أن يسترشد بهذا هذا التأمل. في الواقع، بالإضافة إلى النزعة الاختزالية السائدة التي ترى إمكانية اختزال كل شيء في مجموعة من المعلومات، في كود بموجبه يصبح كل شيء قابلاً للتفسير وقابلا للتكرار بشكل مصطنع، يبدو من المهم أن يأخذ التحليل في الاعتبار أيضًا سياق المتخيل الإطار المرجعيّ للاتجاهات التي يمضي فيها التطور التقني. في هذا تكون مسألة الحياة والموت قضية سياسية.
إنســــان الغد
ركَّزتُ حتى الآن على المتخيل الذي يشتغل في مجتمع المعلومات، وعليّ أن أتساءل الآن عمَّ سيحدث إذا تحققت بالفعل هذه التطلعات. من الواضح أن الإنسان أصبح كائنا قابلا للتعديل أكثر من أي وقت مضى، من خلال العلم والتقنية وتأثير تقنيات الإعلام والاتصال الجديدة والبيوتكنولوجيا المشترك. بعبارة أخرى، «لم تعد» القضايا التي تواجه علماء الاجتماع «تمس ما نستطيع أن نقوم به، بل أصبحت تمس ما نحن إياه» (Sfez: 1995, 45)، وبالتالي يجب علينا أن ننقل مجال التحليل. من ناحية أخرى، على عكس ما يؤكده سفيز، لا يتعق الأمر هنا بظاهرة مقتصرة على البيوتكنولوجيا ومختلفة تمامًا عن نظيرتها الموجودة في تقنيات الإعلام والاتصال الجديدة. على العكس، السبب في طرح سؤال ما نحن إياه بالفعل هو أن تكنولوجيات الإعلام والاتصال الحديثة تجد في البيوتكنولوجيا حليفًا مهمًا لمساعدتها على تحقيق متخيلها. بعبارة أخرى، ليس هذا المتخيل المرتبط بالبيوتكنولوجيا هو الذي يمكن أن ينيرنا حول مستقبل النوع البشري، بل المتخيل المحيط بتكنولوجيا الإعلام والاتصال الجديدة. مع دخول تكنولوجيات الإعلام والاتصال الجديدة إلى جسد الإنسان، تفصلنا قفزة نوعية عما تستطيع البيوتكنولوجيا أن تقوم به بمفردها: باستخدام ما يسمى الرقائق الذكية، تم إجراء خطوة أولى في اتجاه طرف اصطناعي حقيقي للذاكرة. وأظن أن هذه الذاكرة هي المكان الذي يتم فيه تعريض جوهر إنسانيتنا للخطر كما سأوضح. لذلك، يجب على أي تفكير أخلاقي في تكنولوجيات الإعلام والاتصال الجديدة مشفوع بحجج أن يأخذ في الاعتبار من الآن فصاعداً هذا الجانب الأنثروبولوجي الذي يرى العديد من المهندسين أنه منعدم الأهمية: أن يبقى المرء إنسانا أم لا، فهذا ليس معيارًا صالحا لتحديد ما ينبغي القيام به أو لا ينبغي. على سبيل المثال، على الرغم من إيمان بعض المهندسين بحتمية التحكم في الإنسان، إلا أن بعضهم يبدي شكوكا حول إمكانية استنساخ المشاعر. ولكن على أية حال، فهذه الأخيرة تبدو كأنها ثانوية، بل وربما غير ذات فائدة. باختصار، يرى بعضهم أن العواطف تعد بالتأكيد جزءًا من التعريف الأنطولوجي للإنسان، لكن لا شيء يقول بوجوب أن نبقى بشرًا في المستقبل، ومن ثمة فهم يتحدثون عن «ما بعد الإنسانية». أما آخرون، فيرون ألا شيء يقول إن الجانب العاطفي ضروري لصفة الإنسان فينا: يمكننا أن نتطور نحو عاطفة أقل وعقلانية أكثر دون أن نصبح أقل إنسانية.
إذا كان تمثلهم للإنسان لازال بعيدا عن أن يكون واحدا، فأفق المستقبل الذي يرغبون في مساعدتنا على تحقيقه يبدو على العكس واحدا وفريدا من نوعه: فهم يهدفون بوضوح إلى إنسانية «أفضل» من تلك التي نعرفها اليوم، على أساس أنه لن يمكن تحقيق التحسين إلا من خلال تطوير عقلانيتنا باعتبارها قدرتنا على معالجة المعلومات، وعلى أساس أنَّ الآلة تتوفر على مثل هذا النوع من العقلانية التي يمكننا أن نستلهمها للتقدم. لنأخذ، على سبيل المثال، أعمال روبرت كوفلسكي Robert Kowalski (شعبة الحوسبة، جامعة لندن) التي تهدف إلى تحسين طريقتنا في التعبير عن أنفسنا، وكذلك طريقتنا في التفكير، بالنظر إلى العلاقة الجوهرية التي تربط بين الاثنتين، من خلال الممارسة المنهجية لمنطق «حاسوبي». يحاول كولسكي أن يبين، استنادًا إلى أمثلة مستقاة من مواد القانون وحالات من الحياة اليومية، كالتعليمات الخاصة باستخدام مكبح الإغاثة في مترو أنفاق لندن، والتي نفهمها بوضوح من خلال استلهامنا منطق اللغة المعلوماتية. ويأمل أن تتلاقى اللغة البشرية مع لغة الآلة، في المستقبل، من أجل الحصول ليس فقط على آلات أكثر ذكاءً، ولكن أيضًا على بشر أكثر ذكاءً.[6].
ومع ذلك، إذا كانت مثل هذه الآراء شائعة في المختبرات، مما يفتح الباب أمام سائر أنواع الممارسات، فهي تواجه بعض المقاومة من لدن غير المتخصصين. وهكذا، فقد مكن الاستبيان المشار إليه أعلاه من تسليط الضوء على ما يلي: إذا كان أكثر من 80٪ من المجيبين قد صرحوا بأن الفرد الذي يتم تعزيز جسده بجهاز اصطناعي يبقى كائناً بشرياً، فإن 55٪ فقط يعتقدون الشيء نفسه إذا كان الجهاز عبارة عن رقاقة إلكترونية، ثم تنخفض النسبة إلى 38٪ بخصوص الإجابة عن سؤال ما إذا كان المستجوبون مستعدين شخصيًا لإخضاع أجسادهم لهذا النوع من العمليات. النسب المئوية مرتفعة بما فيه الكفاية لإظهار التطور الذي يحدث في مجتمعنا، ولكن علاوة على ذلك، ما إن نتخطى أبواب المختبرات حتى نجد أنفسنا (أم لا نزال؟) بعيدين جدًا عن قبول فكرة إمكانية أن تكون ما بعد الإنسانية أفضل من الإنسانية[7]، إذ فقط 4٪ من المستجوبين قالوا إنهم منفتحون على هذه الفكرة. ومثل هذا الإحجام يسلط الضوءَ على الجانب الأدق في هذه الممارسات وعلى ضرورة تطوير تفكير أخلاقي قادر على وضع حدود عند الاقتضاء.
لقد أظهر مينار وميكال (1988) Miquel et Ménard بوضوح، في دراستهما حول استخدامات التقنيات في مختلف المجتمعات، أننا أول مجتمع لم تتحرر فيه التكنولوجيا من قيود نظام القيم فحسب، بل وأصبحت هذه التكنولوجيا في حد ذاتها قيمة إحدى خصائصها أنها لا حدود لها. ومن هنا تأتي صعوبة تطوير تفكير أخلاقي مشفوع بالحجج المنطقية ووضع حدود على نظام ليس له نظام أخلاقي، بحكم تعريفه. يُطبَّقُ التفكير الأخلاقي في معظم الأحيان على التطورات التقنية الموجودة بالفعل ويعتبرها «خطيرة» في لحظة معينة، دون أن يقوم بأي شيء لوضع حدود طويلة الأمد أو التأثير على الحركة العامة للتقدم شبه الخطي للنمو العلمي ككل. ويصدق هذا بشكل خاص على تكنولوجيات الإعلام والاتصال الجديدة الأقل خضوعا للنقاش مقارنة مع البيوتكنولوجيا. بالنسبة لتكنولوجيات الإعلام والاتصال الجديدة، يتم تطوير خطابات خاصة حول مواضيع متنوعة، كالمراقبة الإلكترونية والمواد الإباحية والاستغلال الجنسي للأطفال على الإنترنت وحقوق نشر النصوص عبر الشبكة، وكأن تكنولوجيا الإعلام والاتصال الجديدة قادرة على تغيير طريقة عيشنا الجماعي وبعض قيمنا، بالتالي، دون أن تؤثر على جوهرنا البشري. ومع هذا، فبإدخال هذه التكنولوجيات في الجسد، نغادر مجال القيم وندخل في التعريف الأنطولوجي للإنسان. إذا كان هذا التعريف يمكن أن يظل في عالم الضمني طالما أنه ليس على المحك فعلاً، فيجب علينا أن نجعله صريحًا بمجرد ما يكون قابلاً للتعديل. يقترح جوناس إنشاء «أخلاقيات المستقبل» يتم ترسيخ مبدأها الأساسي ليس في أخلاقيات العمل، ولكن في الميتافيزيقيا (Jonas: 1988, 1990). وبالطبع، لا ينبغي أن يصرفنا هذا التأمل عن الاهتمامات العاجلة، كتلك التي ذكرتها للتو، ولكن يجب أن يحثنا على توقع مستقبل جنسنا.
الذاكرة والجسد والمعنى
يذكر جوناس (Jonas: 1990, 13-14) أننا عندما نستطيع التنبؤ بتشوه الإنسان، نستطيع آنذاك فقط حماية أنفسنا منه. علاوة على ذلك، فنحن لا نصبح حقا في مستوى تقييم ما هو على المحك إلا عندما يكون ذلك التشويه هو ما على المحك، لذلك لا يمكننا أن نبدأ بالدفاع عن الإنسان، على افتراض أنَّ هذا الدفاع يهمنا، إلا عندما يكون هذا الإنسان في خطر شديد، على الأقل في شكله الحالي. استنادا لما يحدث في المختبرات، يبدو أنه قد تم الوصول إلى هذه النقطة، وأنه لم يعد بإمكاننا الاكتفاء بالقول «ليست المعلومات قضية الحياة (…)، كما ليست المعلومات قضية ذكاء» (Sfez :2001) دون توضيح ذلك بالقدر الكافي. من الضروري توضيح كل الضمني الذي يدعم مثل هذا التأكيد.
من جهتي، أرى أن الخطوة الأولى (سبق ذكرها أعلاه) في اتجاه اختراع طرف ذاكرة اصطناعي حقيقي تشكل التحدي الحقيقي لزرع أجهزة حاملة لذاكرة معلوماتية في الجسد، هذه الذاكرة التي كثيرا ما يُنسى أنها تختلف نوعيا عن ذاكرتنا وأنها، على الخصوص، ليست من صلب الجسد ومنزوعة عن السياق (Cerqui: 1998). أظن أنَّ الكائنات البشرية تستمد إنسانيتها أساسا من ذاكرتها الفردية والجماعية. «في حدود ما نعلم، نحن المخلوقات الوحيدة على وجه الأرض التي تملك إحساسا حقيقيا بالتاريخ» (Feather: 1998, 6). ترتبط الذاكرة البشرية جوهريًا بالقدرة الرمزية، مما يعني، بعبارة أخرى، أن إحدى الصفات الإنسانية النوعية هي إنتاج المعنى. وكما يقول رُوْبُوْل، «ليس إسناد المعنى مجرد أداء فردي» (Ropohl: 1986, 71). فالمعنى إنتاج اجتماعي ويسمح للإنسان، في المقابل، بأن يعيش داخل المجتمع (Leroi-Gourhan: 1964 et 1965; Cerqui: 1995). بمعنى آخر، لا يمكننا أن نشارك الآخرين قيما واحدة (وهذا هو التعبير عن انتمائنا الاجتماعي) إلا لكوننا نستطيع أن نفهم ما يحيط بنا (وهذا هو التعبير عن إنسانيتنا).
وفقًا لسارل (Searle: 1999, 23)، تملك الآلات، وهذا ما يميزها عن البشر، القدرة على معالجة الرموز جيدا، لكنها تعجز بأي حال من الأحوال على تفسير تلك الرموز، أي إسناد معنى لها، في حين يلعب الجسد دورًا أساسيًا في هذا الإسناد. وكما أوضح ميرلو بونتي، فالجسد البشري أبعد ما يكون عن كائن محايد، إذ له «قصدية، وقوة المعنى» (Merleau-Ponty: 1945, 203).
الذاكرة والمعنى والعواطف والجسد، كل ذلك ضروري لإنسانيتنا شأنه شأن العقلانية. إذا حذونا حذو ميرلو بونتي وعرفنا الإنسان «من خلال تجربته، أي بطريقته الخاصة في تشكيل العالم»، فكل تلك العناصر لا غنى عنها و«لا يمكن تصور إنسان بدون يد أو بدون جهاز تناسلي كما لا يمكن تصور إنسان بدون تفكير» (Merleau-Ponty: 1945, 198). على الرغم من تقادم هكذا اقتباس مقارنة بالتكنولوجيات الجديدة من جميع الأنواع، فهو لا يزال يحتفظ بأهميته كلها. بعبارة أخرى، «يرجع الافتقار الساحق والواضح للتشابه بين الآلات والبشر، أيا كانت تلك الآلات، حسب علمنا، إلى حقيقة أن الآلات ليست ذات أجساد» (Hampshire: 1991, 253). لهذا السبب، فالمخاطرة بذاكرتنا في بعدها المدمج هو مخاطرة بإنسانيتنا، إذ تتطلب الذاكرة البشرية أن يتطور الجسد والعقل تطورا طبيعيا، كما أنها لا توجد إلا من خلال القدرة على النسيان الملازم لها. إنها تسمح لنا بالعيش في المجتمع وإنتاج معنى.
يشير دمسياو (1994) Damasio إلى الفكرة نفسها عندما يذكر أن النشاط العقلي يتطلب مخًا وجسدا ليكون فعالًا. من هذه الزاوية للنظر، تعد العواطف مهمة جدًا لممارسة العقلانية. وللبرهنة جيدا على ذلك، يتحدث عن «متلازمة كايج[8] syndrome de Gage»، في إشارة إلى فينياس كاج الشاب الذي تعرضت جمجمته للجرس بواسطة شريط معدني. فعلى الرغم من بقاء قدراته العقلية الصارمة سليمة، إلا أن مشاعره تغيرت، مما أدى إلى تحول في سلوكاته الاجتماعية، بحيث اعتُبرتْ لا عقلانية. يرى داماسيو في ذلك دليلا على أهمية ما هو وجداني في ممارسة العقل.
لذلك، يمكننا أن نتساءل بعد غيوم هل يمكن أن يتسبب الفضاء السيبراني في متلازمة كايج عند الأشخاص الذين «يعيشون» فيه، ما دام «الفضاء السيبراني يزيل قسما من التأثيرات الفكرية المرتبطة بالمشاعر، من خلال حرمانه مستخدميه من تفاعل الأجساد والعواطف المتدفقة منها» (Guillaume: 1999, 2).
بمثابة خاتمة:
وفقًا لما يقوله فوكو:
«يمكن للظاهراتية أن تُدخِل، في مجال التحليل، الجسدَ والجنسَ والموتَ والعالم المدرَك: يظل الكوجيتو مركزيا. لا تستطيع عقلانية العلم ولا خصوصية علوم الحياة أن تقوض دورها التأسيسي. وقد عارض كنغلايم هذه الفلسفة للمعنى، والذات، والمعيش، بفلسفة للخطأ، وبمفهوم الكائن الحي، بمثابة طريقة أخرى للتعبير عن مفهوم الحياة» (Foucault: 1985, 14).
بالتالي، من الضروري مراعاة الجانب العاطفي ليس فقط في مساهمته الكبيرة الممكنة في ممارسة العقل، ولكن أيضًا في بعده الخاص، ثم، في الوقت نفسه، لإعادة تأهيل كل ما هو لا عقلاني في البشر، هذا اللاعقلاني الذي طالما تعرض للازدراء. بدون هذا، يمكن أن يؤدي البحث عن الخلود إلى مفارقة فقدان بعض العناصر الأساسية للبشر، وبالتالي إلى نهاية الإنسان كما نعرفه.
دانييلا سركي
معهد الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع
جامعة لـوزان
بيبليوغرافيا
- Augé, Le corps glorieux, in L. Sfez (éd.), L’utopie de la santé parfaite, Colloque de Cerisy, Paris, PUF, 2001, pp. 441-448.
- Atlan, Nouveaux modèles et nouvelles métaphores en biologie, in L. Sfez (éd.), L’utopie de la santé parfaite, Colloque de Cerisy, Paris, PUF, 2001, pp. 263-288.
- Baudrillard, La société de consommation, Paris, Denoël (Folio), 1970.
- Bell, Vers la société post-industrielle, Paris, Laffont, 1976.
J.-M. Besnier, L’âme et l’artifice. Le désenchantement par l’IA, in M.-P. Haroche, L’âme et le corps. Philosophie et psychiatrie, 1990, pp. 141-162.
- Castells, La société en réseaux, tome 1, l’ère de l’information, Paris, Fayard, 1998.
- Cerqui, L’«extériorisation» chez Leroi-Gourhan, Lausanne, Institut d’anthropologie et de sociologie, 1995.
– De la mémoire extériorisée à la mémoire prothétique, in « Revue européenne des sciences sociales », 1998, no111, pp. 157-169.
– Comment le réseau vint aux hommes : la virtualité est ailleurs, in « Tsantsa », 2000a, no 5, pp. 20-27.
– La quête d’une humanité «parfaite», une illusion des temps modernes, in M.-O. Gonseth, J. Hainard et R. Kaehr, La grande illusion, Neuchâtel, Musée d’ethnographie, 2000b, pp. 99-111.
- Damasio, Descartes’ Error: Emotion, Reason, and the Human Brain, New York, Putnam, 1994.
- Escobar, Welcome to Cyberia. Notes on the anthropology of cyberculture, in «Current Anthropology», 1994, no35, pp. 211-231.
- Feather, The Information Society. A Study of Continuity and Change, London, Library Association Publishing, 1988.
- Foucault, Surveiller et punir : la naissance de la prison, Paris, Gallimard,1975.
– « La vie : l’expérience et la science», in Revue de métaphysique et de morale, 1985, no 1, pp. 8-14.
- Guillaume, L’empire des réseaux, Paris, Descartes, 1999.
- Hampshire, Biology, machines, and humanity, in J. Sheehan et M. Sosna (éds),The Boundaries of Humanity. Humans, Animals, Machines, Berkeley, University of California Press, 1991, pp. 253-256.
- Heller, «Tiens-toi droit ! » L’enfant à l’école primaire au 19e siècle: espace, morale, santé. L’exemple vaudois, Lausanne, Editions d’En bas, 1988.
- Jonas, Le principe responsabilité, Paris, Cerf, 1990.
– Pour une éthique du futur, Paris, Payot, 1998.
- Leroi-Gourhan, Le geste et la parole I. Technique et langage, Paris, Albin Michel, 1964.
– Le geste et la parole II. La mémoire et les rythmes, Paris, Albin Michel, 1965.
- Merleau-Ponty, Phénoménologie de la perception, Paris, Gallimard, 1945.
DOI : 10.14375/NP.9782070293377 - Minsky, La fusion prochaine de la science, de l’art et de la psychologie, in «Art Press Hors série», 1992, no 12, pp. 140-144.
- Miquel et G. Ménard, Les ruses de la technique. Le symbolisme des techniques à travers l’histoire, Montréal, Boréal, 1988.
- Negroponte, L’homme numérique, Paris, Laffont, 1995.
- Rheingold, Les communautés virtuelles, Paris, Addison-Wesley France, 1995.
- Richta, La civilisation au carrefour, Paris, Anthropos, 1969.
- Ropohl, Information does not make sense; or: the relevance gap in information technology and its social dangers, in C. Mitcham et A. Huning (éds), Philosophy and Technology II. Information Technology and Computers in Theory and Practice, Dordrecht, D. Reidel Publishing Company, 1986, pp. 63-74.
- R. Searle, Le mystère de la conscience, Paris, Odile Jacob, 1999.
- Sfez, La santé parfaite. Critique d’une nouvelle utopie, Paris, Seuil,1995.
– Le retour de la réalité de l’histoire, de l’identité, in L. Sfez (éd.), L’utopie de la santé parfaite, Colloque de Cerisy, Paris, PUF, 2001, pp. 449-460.
Stelarc, Da strategie psicologicha cyberstrategie: prostetica, robotica ed esistenza remota, in P. L. Capucci (éd.), Il corpo tecnologico. L’influenza delle tecnologie sul corpo e sulle sue facoltà, Bologna, Baskerville, 1994, pp. 61-76.
- R. Stone, Will the Real Body Please Stand Up?, In M. Benedikt(éd.), Cyberspace : First Steps(ed.), Cambridge, MIT Press, 1991, pp. 81-118.
- Wiener, Cybernétique et société, Paris, Deux-Rives, 1952.
[1] يعتمد تحليلي على ملاحظات أدليت بها في محاضرات ومؤتمرات ومقابلات كتب ومقالات التي كتبها مهندسون ومقابلات صدرت في الصحف.
[2] تم تضمينه في معرض لمتحف التاريخ الطبيعي في نوشاتيل (CH) حول مسألة الخلود، وقد تم ملؤه بمعروضات دون أخذ عينات صارمة، وبالتالي فهو ليس له أي قيمة تمثيلية للسكان ككل. ومع ذلك، تبقى له ميزة إعطاء مؤشرات الاتجاه حول وجود أو عدم وجود موضوعات معينة في متخيل غير المتخصصين في التكنولوجيات الجديدة.
[3] الإشارة هنا إلى خبر تداولته وسائل الإعلام العالمية سنة 2015، على نطاق واسع، حول تأكيد الدكتور الإيطالي “سيرجيو كانافيرو” إمكانية علاج مريض روسي، اسمه “فاليري سبيريدونوف”، عمره 30 عاماً، يعاني مرض الهزال العضلي الجيني نادر الحدوث، وذلك بفصل رأسه عن جسده، ثم زراعته في جسد شخص آخر صحيح جرى التبرع به بعد موته، لتمكين “سبيريدونوف” من الحصول على جسد سليم مع الاحتفاظ برأسه الأصلي السليم. وكان من المنتظر أن تجرى العملية في في عام 2016، لكن بقية الحكاية لم تعرف ما دامت وسائل الإعلام لم تتطرق إليها مجددا. وقد أطلق الدكتور الإيطالي على هذا النوع من الجراحة اسم HEAVEN، اختصارا لمشروعه الطبي المتمثل في إجراء عمليات جراحية للربط بين الرأس والبدن. وأثار هذا المشروع جدلا واسعا في الأوساط الطبية، بين مشكك في إمكانية نجاحه، وبين قائل بأنه يجب انتظار بضعة عقود وتحقيق مزيد من التقدم في مجال الجراحة الطبية لكي ينجح هذا النوع من العمليات. (م).
[4] «مارفن مينسكي، هو أحد «آباء» الحاسوب وباحث في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، إلى أبعد من ذلك إذ قال: «في عام 2035، بفضل تكنولوجيا النانو، قد يكونُ المعادل الإلكتروني للدماغ نفسه أصغر من طرف أصبعكم، وهذا يعني أنه سيمكنكم أن تتوفروا داخل جمجمتكم على ما شئتم من مساحة لكي تزرعوا فيها نظُما وذاكرات إضافية. ثم، تدريجيا سوف تستطيعون أن تتعلموا أكثر في كل عام، وأن تضيفوا أنواعا جديدة من الإدراك، وأنماطا جديدة من المنطق، وطرقا جديدة في التفكير والتخيل – وسائر الأشياء التي لا يقوى أحد منا على أن يتخيلها اليوم». اقتباس الحالي مأخوذ من مقال آخر لدانييلا سركي وأوليفييه سيموني، «ما هو الإنسان… من سيتخذ قرار الإجابة عنه؟»، ترجمناه وألحقناه بالدراسة الحالية. (م).
[5] جمع بتة Bit، والبتة هي أبسط وحدة في نظام الترقيم، لا يمكن أن تأخذ سوى قيمتين يتم تحديدهما في الغالب بالرقمين 0 و 1. (م).
[6] Conférence du 11.12.01, Département d’informatique, Ecole polytechnique fédérale de Lausanne, Suisse.
[7] بالإضافة إلى ذلك، من الضروري التساؤل عن المعايير التي حسَبها يتم تعريف «الأفضل». (انظر: Crqui, 2006b).
[8] نسبة إلى فينياس ب. كايج (1823-1850)، وهو عامل سكك حديدية، اخترق جمجمته كليا قضيب حديدي بسمك 6,01 كلغ، وطول 1,09 متر، وعرض 3,18 سم، جراء حادثة شغل، فأحدث القضيب تلفا في الفص الجبهي الأيسر من دماغ كايج. وعلى الرغم من خطورة الإصابة الشديدة، نجا كايج بأعجوبة من موت محقق. إلا أن هذه الحادثة غيرت سلوكه رأسا على عقب، فأصبح متلقب المزاج، عصبيا، وقحا، وغير اجتماعي، بعد أن كان على العكس من ذلك تماما قبل الحادثة المذكورة. وقد شكلت حالته مدرسة في علوم الأعصاب. المترجم، موسوعة ويكيبيديا الفرنسية، مادة: syndrome de Cage. (م).