شخصيتك ساحرة تمشي بحذر فوق المستنقع. بعصا طويلة في اليد، محلاة بتاج ودرع، تستعد لمحاربة جحافل المخلوقات الجهنمية. بمجرد ظهور الموجة الأولى من الوحوش، تشرع الساحرة في القيام برقصات قصيرة ثم تلقي كرة نارية في اتجاههم. بعد ست من هذه الحركات السحرية، لم يعد هناك أي عدو على قيد الحياة. بسرعة كبيرة، تندفع موجة ثانية من المخلوقات نحو شخصيتك التي تجد نفسها عالقة في اشتباك خطير. تتمكن من درء جدار اللهب، ولكن عندما تحاول إلقاء السحر الذي سيحملك بعيدًا عن براثن أعدائك، تعلن ساحرتك بهدوء: «لا توجد مانا بما فيه الكفاية»، تتحول الشاشة إلى اللون الأحمر: لقد ماتت ساحرتك.
1 – المانا، مورد خارق لسحر اللعب
ما سبق مستوحى من ديابلو الثاني Diablo II، وهو لعبة ڤيديو أصدرها الناشر الأمريكي بليزد نورثB. North في عام 2000. يتحكم اللاعب في شخصية منغمسة في عالم عجائبي من العصور الوسطى حيث يواجه، في الوقت الحقيقي، وحوشا عديدة من أجل الحصول على نقاط الخبرة وأسلحة أكثر قوة. يمكن للاعب أن يختار من بين فئات مختلفة من الشخصيات (الساحرة، أو المتوحشة، أو حتى مستحضر الأرواح) التي تسمح جميعها بممارسة السحر بدرجات مختلفة. ومع أن مصممي اللعبة لم يقدموا تعريفا واضحًا لمفهوم السحر، فإن حضوره الكلي في اللعبة يجعل من الممكن رسم خطوطه العريضة. تُظهر واجهة المستخدم الرسومية الخاصة باللعبة الشخصيةَ، عندما تلقي سحرا، مع أداء متتالية موجزة ونمطية للأنشطة في خدمة أهدافها الخاصة. لذا، فإن هذه اللعبة، بصرف النظر عن تفاصيل قليلة، تؤيد تعريف الطقوس الذي قدمه ڤيكتور تورنر (1973, 1100) V. Turner. ومع ذلك، فهذه اللعبة تفترق عن عالم الأنثروپولوجيا في نقطة حاسمة، وهي أنها تعترف بَداهةً بالفعالية المادية للطقوس السحرية، وبذلك فإن هذه الطقوس الرقمية تثير السؤال حول كيفية بناء مثل هذه الفعالية وعقلنتها.
ثلاثة عناصر تؤطر استخدام السحر في لعبة ديابلو Diablo II: اختيار الشخصية يحدد طبيعة أعمال السحر المتاحة (لا يمكن لمستحضر الأرواح أن يرمي الكرات النارية، في المقابل يمكنه إحياء أجساد أعدائه)؛ التجربة تحدد قوة أعمال السحر (كلما زادت خبرة الشخصية، زادت قدرته على رفع قوة أعمال السحر)؛ أخيرًا، كمية المانا المتاحة للشخصية تحدد عدد أعمال السحر التي يمكنه القيام بها. إن كل عملية إلقاء سحر «تكلف» كمية محددة من المانا التي تستمدها الشخصية من الاحتياطي المخصص لها. إذا كانت هذه الأخيرة محدودة، فمن الممكن دائما استرداد كمية منها عن طريق «جرعات المانا». وهكذا، فالمانا تعمل في ديابلوDiablo II (ولكن أيضًا في العديد من ألعاب الڤيديو الأخرى، وألعاب الطاولة، وألعاب الورق، وما إلى ذلك، والتي يقع نشاطها غالبًا في عالم عجائبي مستوحى من العصور الوسطى الأوروبية) باعتبارها «المورد الخارق للطبيعة» الذي تستخدمه الطقوس السحرية.
وعبارات مثل «يجب التوفر على عشر مانات لإلقاء سحر على شكل كرة نارية» تساهم في جعل السحر في هذه الألعاب ظاهرة قابلة للقياس الكمي، وقابلة للتكرار، ويمكن التنبؤ بها(1). وبذلك، فالمانا تتشكل في شكل من الطاقة شبيه بالطاقة النووية أو الإشعاعية، خاضع لقوانين، أي لقواعد اللعبة التي، وفقًا لكايرا، «تحل محل القوانين العلمية والنظم الإحصائية التي تحكم عالمنا (Caïra, 2007, 217) ، والتي يمكن قياسها بوحدات تذكر بأنظمة الوحدات التي طورتها الفيزياء، على وجه الخصوص، نظرية (واط watt) أو طاقة (جولjoule ). والتشابه بين الطاقات السحرية والجسدية عبَّر عنه بمنتهى الوضوح ݣريݣ كوستيكيان مصمم أول لعبة استخدمت مفهوم المانا، وهي لعبة plateau/wargame التي تقع في عالم عجائبي من القرون الوسطى Swords & Sorcery (1978):
«يجب على الشخصية التي تلقي سحرا أن تنفق نقاطا من المانا(2). ونقطة المانا هي مقياس اعتباطي للقوة السحرية شبيه، على سبيل المثال، بقوة الحصان البخاري باعتبارها مقياسا اعتباطيا للقوة الميكانيكية» (Costikyan, 1978, 12).
لا يقنع كوستيكيان بهذا التوضيح، فيحدد أيضا مصدر هذه القوة «السحرية» بعبارات تستحضر العملية الفيزيائية للإشعاع: «الشخصياتُ التي تستخدم السحرَ تستمدُّ المانا من إحدى الشموس الثلاث للنظام النجمي ديس Dis» (Costikyan, 1978, 12). وكما تشير هذه الاقتباسات، فالسحر، على نحو ما يبدو في سياق اللعب، يأخذ شكل ظاهرة إيجابية وقابلة للعزل وقد تأخذ شكلا رياضيا. وفي العديد من الألعاب، بما في ذلكDiablo II وSwords & Sorcery، فالعامل المنَظِّر للسحر – وبالتالي لفعالية الطقوس – لا شيء غير المانا.
تثير هذه الملاحظة منذ البداية مشكلة المصطلحات. ماذا رأى كوستيكيان ومصممو الألعاب الآخرون من بعده في هذا المصطلح الغرائبي ليجعلوه أداة مفضلة لبناء سحر يقوم على اللعب؟ ماذا كانت تعني المانا قبل إدخالها في إحدى اللُّعَب عام 1978؟ ماذا أتاح هذا المفهوم القيام به مما تحظره عبارات أخرى، مثل «نقطة السحر»، على سبيل المثال؟ يعتبر هذا السؤال الأخير أكثر أهمية نظرا لأن هذا الاختيار فريد في عالم الألعاب. في الواقع، إذا كان التعبير عن حياة الشخصيات في العديد من الألعاب يتم أيضا كميا، فإن الوحدات التي تقيسها تتلقى أسماء وصفية بحتة، مثل «نقاط الحياة» أو «نقاط كبيرة»(3). لمحاولة الإجابة على هذه الأسئلة، يتعين علينا فحص بعض استعمالات اصطلاح المانا في السابق.
2- المانا مقولة تنتمي إلى العلوم الإنسانية
لم يكن مصممو الألعاب أول من حاول أن يجعل معنى للسحر (أو قرينه، وهو الدين) من خلال المانا. فقد رفعت عدة شخصيات مهمة في تاريخ الأنثروپولوجيا وتاريخ الأديان المانا إلى مقولة تصنيفية تسمح بوضع نظريات عامة حول طبيعة الدين وأصله باعتباره مقولة عالمية(4). وقد استعاروا هذا المصطلح من الإثنوغرافيا الأوقيانوسية، ولاسيما من عمل روبرت هـ.كودرينݣتون. في رسالة إلى موجهة لماكس مولر الذي كان كودرينݣتون مخبرا له، ونشرها مولر، فيها قام هذا المبشر الذي تلقى تكوينا في فقه اللغة برسم صورة لدين الميلانيزيين البارز:
«يتألف دين الميلانيزيين من الاعتقاد بوجود قوة فوق طبيعية في جميع أنحاء العالم تنتمي إلى عالم اللامرئي، وعبادتهم هي تطبيق الوسائل التي يمكن أن تجعل هذه السلطة تعمل لصالحهم. (…) إنها قوة وتأثير ذات طبيعة غير مادية، وفوق طبيعية، بمعنى ما، ولكنها تنكشف في أي نوع من القوة أو التفوق الذي يمتلكه الإنسان. والمانا ليست ثابتة في شيء محدد ويمكن جلبها إلى أي شيء تقريبا؛ ولكن الأرواح (…) هي التي تمتلكها وتستطيع أن تمنحها(5)…»
ومن بين العلماء الذين شاركوا في تحويل المانا إلى مقولة تطبيق علمية هناك هنري هوبير ومارسيل موس اللذان سعيا في عام 1904 إلى اقتراح نظرية عامة للسحر (Hubert et Mauss, 1950, 1-141). فقد أظهر المؤلفان في هذا النص أنَّ وراء التفسيرات التي قدمها السحرة (ومجتمعاتهم) لتوضيح فعالية طقوسهم السحرية، كان يختفي منهجيا مفهوم غامض ولكنه عالمي، وهو مفهوم «القوة»(6) (Hubert et Mauss, 1950, 93). ولعرضه، اختار هوبير وموس مانا الميلانيزيين كما حددها كودرينݣتون، أي باعتبارها قوة غير شخصية، جوهرية وخارقة للطبيعة(7) (Codrington, 1891, 118-19, 191-92). كما أظهر هوبير وموس أن فكرة القوة السحرية هذه، بعيدا عن كونها عبثية، تعكس بالفعل حالات نفسية جماعية فعالة(8) (Hubert et Mauss, 1950, 126). والصبغة العلمية الظاهرة التي يضفيها هذا النص على المانا تقترن بتشابه متكرر في العلوم الدينية الشَّابة بين المانا – التي تعرف عمومًا بأنها «قوة سحرية أ مقدسة» – والطاقة و/أو الكهرباء(9).
وروبر ماريت الذي استند أيضًا بشكل حصري إلى تعريف المانا الذي قدمه كودرينݣتون شكَّل المانا بوضوح في فئة «علمية» تسمح على وجه الخصوص بشرح فعالية الطقوس، من خلال سلسلة من المنشورات الصادرة بين 1908 و1916، ولا سيما مقالة «المانا» التي ساهم بها في الموسوعة المرموقة للدين والأخلاق Encyclopædia of Religion and Ethics، وفيه نقرأ:
«يعود مصطلح المانا إلى أهالي منطقة المحيط الهادئ، ولكن علم الأديان المقارن يستخدمه أيضا باعتباره مقولة ذات نطاق عالمي. ويتبين أن المعنى المحلي قريب جدًا من المعنى العلمي على الرغم من حقيقة أن الثاني يمثل فقط المحتوى المعمم لمفاهيم مختلفة منحدرة من مناطق عرقية متنوعة يمكن للمرء أن يعتقد أنها لا تشترك في الأصل نفسه. (…) المانا هو المصطلح الأنسب للتعبير عن القيمة السحرية الدينية على نحو ما تتحقق في الطقوس. (Marett, 1916, 375, 379).
ومع ذلك، يُظهر تاريخ المانا في الأكاديمية، وهو التاريخ الذي لم يُكتب بعد، أنَّ هذا الترويج لمصطلح خاص ببضع ثقافات محصورة جيدًا في مرتبة أداة نظرية – ترويج تم بناؤه بشكل خاص من خلال القياس على مفهومي القوة والطاقة المستخدمين في الفيزياء (على سبيل المثال Hubert et Mauss, 1950, 100) – كان موضع انتقادات شديدة من لدن العلماء العاملين في الميدان. فمن خلال التشكيك في عالمية المانا، وبالتالي في قوتها التفسيرية، هاجم هؤلاء الإثنولوجيون أيضا الأعمال الإثنوغرافية التي أنجزها كودرينݣتون، وشككوا، ضمن ما شككوا فيه، في العنصر الذي دفع علماء المكتب في البداية إلى جعل المانا أداة نظرية، أو على وجه التحديد طابعها غير الشخصي(10).
في هذين السياقين الخطابيين المختلفين للغاية، أحدهما أكاديمي والآخر لعِبي – ولكنهما قادمان من ثقافة واحدة، هي الثقافة الغربية، ويتقاسمان مقولات مركزية مثل الأسطورة أو الطقس – تمَّ تصورُ المانا باعتبارها قوة غير شخصية وتوظيفها للحديث عن السحر (والدين). وتدعو مثل هذه المصادفة إلى إجراء مقارنة من أجل تسليط الضوء على وجود المانا ووظيفتها في الألعاب المعاصرة. ولكن بدلاً من مقارنة مختلف تعريفات المانا، سيتم هنا مقارنة المشاكل التي تم استدعاء المانا لحلها من الجانبين، وإبراز أوجه التشابه وأوجه التباين بين استخداماتها المختلفة.
3- المانا في بناء خطاب علمي حول السحر
وعلى الرغم من الاختلاف الشديد بين المناهج والافتراضات المختلفة في بعض الأحيان، فإن مؤرخي الأديان الأوائل الذين وظفوا المانا كانوا يتقاسمون هدفا وخصما مشتركين. فقد كان لدى كل من مولر وماريت أو حتى هوبير وموس طموح لاقتراح نظرية أصل السحر و/أو الدين، ومثل مصممي الألعاب، ككوستيكيان، لشرح كيفية عملها. في أثناء القيام بذلك، واجه هؤلاء العلماء نظرية إدوارد تايلور – وخليفته جيمس فريزر – الذي كان يتمتع بعد ذلك بوضع مهيمن تقريبًا(11).
في الثقافة البدائية Primitive Culture، وهو المؤلَّف التأسيسي للأنثروپولوجيا، يناقش تايلور الدين بشكل مطول (1871, i, 383-453 ; ii, 1-327). وبحكم أن تايلور كان من دعاة مقاربة تنموية أسَّسَها على وحدة النفس البشرية، فقد ابتكر مقولة الإحيائية للإشارة إلى الدين باعتباره ظاهرة عالمية خاصة بمرحلة معينة من التطور الثقافي يؤدي وظيفة شرح (الأساطير) والفعل في العالم (الطقوس؛ السحر يشارك هذه الوظيفة، ومن الصعب أيضا أن نقف على تمييز واضح بين السحر والدين عند تايلور). وتايلور نفسه ملحد ومعارض قوي لفكرة الوحي، فاقترح نظرية في أصل الدين طبيعية بحتة(12). وقد انطلق في ذلك من مسلمتين: الأولى أن «البدائيين» مفتونون بظاهرتين بيولوجيتين، هما الفرق بين الجسد الحي والجسد الميت، والأحلام؛ ثم إن هؤلاء «البدائيين» يحاولون تفسير هذه الظواهر البيولوجية. وقد اقترح تايلور أن التفسيرات التي قدمها «الإنسان البدائي» لهذه الأسئلة تتلخص في استنتاج أن للإنسان ضعفا غير مادي، هو الروح. ونظرا لقدرة الروح على الانفصال عن الجسد، فهي يمكن أن تغادره بشكل نهائي (عند الموت)، أو بشكل مؤقت، أثناء النوم، وتزور الآخرين في الأحلام. ومع تطور الثقافة، سيتم تطبيق هذا الاستنتاج على الطبيعة ككل (يظهر هذا بالفعل في الأحلام). وأخيرًا، يشير تايلور إلى أن الإحيائية، في أكثر الثقافات تطورًا، ستتخذ شكل تعدد الآلهة التاريخية، وأخيرا شكل التوحيد المسيحية.
تتضمن نظرية تايلور عنصرين سيقوم أتباع المانا برد فعل ضدهما. الأول أن المذهب الإحيائي يفترض أدنى تعريف للدين، تعريف يحدد بالتالي انتقاء ما هو دين أو غير دين: «الإيمان بوجود كائنات روحانية» (Tylor, 1871, i, 383). ولكن مولر وماريت معا وجدا هذا التعريف مُقيِّدا للغاية. فمولر الذي كان مؤمنا إيمانا عميقا حدد أصل الدين في وحي أصلي لم يتخذ شكلا شخصيا(13). لقد وضع مولر بالفعل شخصنة اللانهائي في مرحلة لاحقة من مراحل تاريخ الأديان تتميز بإنتاج سرديات أسطورية خلالها أصبحت الأرواح أو القوى الروحية numina – المصطلحات المستخدمة مجازا للحديث عن اللانهائي– الأرواح أو القوى الروحية أصبحت numina تمتلك سيرا ذاتية وإيماءات (Müller, 1879, 117). أما فكرة الشخصية التي ينطوي عليها تعريف تايلور للدين، فقد رأى مولر أنها مجرد فكرة ثانوية (Müller, 1879, 117). ولكي يحافظ مولر على تعريفه للدين («تصور اللانهائي»)، فقد احتاج بالتالي إلى دين يكون هدفه غير شخصي. فعرض عليه كودرينݣتون، الذي كان ينتمي إلى شبكة مخبريه، في رسالته المؤرخة في 7 يوليو 1877 المانا البولينيزية.
وقد طعن روبر ماريت، من جهته أيضا، ابتداء من عام 1899، في القيود التي كان يفرضها تعريف تايلور للدين على البيانات التي من شأنها أن تساهم في التفكير في أصل الدين وطبيعته:
«وهكذا بدا من المستحب أن نقدم لعلماء الأنثروپولوجيا مقولة جديدة يمكنهم بموجبها جمع هذه الظواهر المتبقية التي سيتجاهلها، أو على أي حال سيشوهها، تفسير إحيائي بحت للدين البدائي». (Marett, 1909, ix)
وسيقوم ماريت، مثله مثل مولر قبل عشرين عاما، بتوظيف البيانات الإثنوغرافية التي من المرجح أن تثبت أن بعض الأديان لديها قوى غير شخصية، خاصة ديانات الميلانيزيين، وبالتالي دحض تعريف الحد الأدنى الذي تفرضه النظرية الإحيائية. وعلى أساس هذه المانا، قام ماريت بتأسيس مقولة أو فئة تصنيفية جديدة، هي «ما قبل الإحيائية»، واقترح نظرية بديلة عن أصل الكل الذي يجمع بين السحر والدين: المذهب «فوق الطبيعي» (Marett, 1909, 1-32 ; 10-11). ومن خلال الإصرار على لا شخصية المانا، قدم هذان العالمان طريقا وسطا بين الإيمان والإلحاد، بين اللاهوت والنزعة الاختزالية، وهو طريق استطاع أن يشجع على استرداده في مجال اللعب. في الواقع، إذا ما حافظ هذا المسلك على إمكانية الفعالية السحرية أو الدينية، فإنه يبعد مشكلة الإشارة إلى إله واحد أو أكثر، وهي إشارة تظل حساسة بشكل خاص في سياق الولايات المتحدة.
أما العنصر الثاني، في نظرية تايلور، الذي سيولد رد فعل، فكان هو نزعته الفكرية المتطرفة. وهي نزعة تلاحظ في أسطورة أصل الدين التي يقترحها كما تلاحَظ في الوظيفة التي ينسبها إلى الإحيائية. فالدين الذي أثاره التساؤل المادي، يمثل نتاجا للتأمل العقلاني الذي يقوم به الفردٌ في الكائن البشري وبيئته. نتيجة لذلك، فالدين، وبالتالي السحر، ليس سوى علم جنيني، أو فلسفة بدائية primitive philosophy (1871, i, 62)، كما يكتب تايلور. وعلى هذا النحو، يخلي تايلور نظريته من أي بعد عاطفي أو تطوعي. لكن، وعلى النقيض من هذا، ومع ذلك، فقد أسس ماريت ودوركايم الدين والسحر في المشاعر. يرى ماريت أن ما يخرج عن المألوف يثير مشاعر من الخوف والإعجاب والتعجب، لا تؤدي إلى تفسير طبيعي أو عقلاني، كما ترى النزعة الفكرية التايلورية، بل إلى توضيع – ربما تجسيد – للمحفز الذي يصفه ماريت بأنه «خارق» (1909, 10-11). ولحرص ماريت على تأسيس نظريته تجريبيا، فإنه يوثق تأكيده باستخدام مصطلحات مختلفة عما يستعمله الأهالي، ولاسيما مفهوم المانا عند كودرينݣتون (على سبيل المثال: (Marett, 1909, 12.
وباتخاذ ماريت هذا الأساس الوجداني لنظريته، فقد نجح في إعادة رفع قيمة الدين الذي أنزلته النزعة الفكرية التايلورية المتطرفة إلى مرتبة البقية التي لا تليق للمجتمع الفيكتوري المعاصر. لقد جعل المنظور الفكري المتطرف عند تايلور الإحيائية تناظر مستوى معينا من الثقافة. واقترح تايلور أن الفكر البشري في مرحلة معينة من تطوره تخلى عن السحر والدين ليعوضهما بالعلم الذي تتطابق وظيفته وطريقته في نهاية المطاف: شرح العالم والتصرف فيه من خلال عمليات تفكير فردية. وجدولُ الأعمال الملحدة لأب الأنثروپولوجيا (وكذلك لجيمس فريزر بعده) شفافٌ: الدين والسحر هما نتاج جهل وسخ، غير فعالين ويجب التخلي عنهما لصالح العلم(14).
من خلال جعل الدين يتجذر في المشاعر بواسطة المانا، سيزيل ماريت العبارات والممارسات «السحرية الدينية» من المعالجات المخصصة للعبارات العلمية. لا ينبغي إخضاع المانا لتقييم عقلاني (من شأنه أن يكون ضارا لا محالة) لأنه لا يقوم سوى بتسجيل تجربة معيشية لا عقلانية. يرى ماريت أنه لا يجب بأي حال من الأحوال الخلط بين اللا-عقلانية وبين الابتذال. في نص منشور عام 1904، «من الرقية إلى الصلاة From Spell to Prayer»، الذي يخون تأثير وليام جيمس، يؤكد ماريت أن التجارب المتعلقة بالخارق يمكن أن تكون فعالة، ويقدم لهذه الغاية مثالًا على «المتوحش (أو البري)» المحتضر جراء تعرضه للتعذيب رمزيا على يد عدوه (Marett, 1909, 50-51). وبالنسبة لماريت، فالمانا تشير بدقة إلى هذه الفعالية غير العادية ولكنها تجريبية(15).
استخدم هوبير وموس أيضًا مانا الميلانيزيين لمهاجمة فكر تايلور وفريزر. إن النزعة الفكرية المتطرفة تعني أن السحر والدين يجدان أصلهما في تأمل الفرد. وعلى هذا، فإن أي قول ديني هو بالتالي عقلاني، على الرغم من جهل المتدين (Tylor, 1871, i, 20-21). وطموح هوبير وموس في مخططهما التمهيدي لنظرية عامة في السحر هو إظهار أن السحر ظاهرة تتأصل ليس في التفكير الفردي ولكن في الحياة الجماعية. لذلك، يتعين عليهما إثبات حدوث تمثلات دينية غير عقلانية، فتوفر لهم المانا الأدلة اللازمة. والمانا، في واقع الأمر، كما قدمها كودرينݣتون، لا تفي بقواعد المنطق: «إنها تحقق هذا الخلط بين الوكيل والطقس والأشياء»، وهي في الوقت نفسه اسم، وفعل، وصفة. (Hubert et Mauss, 1950, 101-02). ولكن فائدة المانا لا تقف عند هذا الحد. فهي، من ناحية، تسمح لهبير وموس بإنتاج مثال تجريبي للتمثل الذي يفترضان أنه وراء جميع تفسيرات السحر (الـتأويلية والأخلاقية): فكرة مركبة من القوة والبيئة» (Hubert et Mauss, 1950, 100). ومن ناحية أخرى، بما أنه ليس من الواضح أن المانا مقولة من التفكير الفردي، فإن السحر الذي تنطوي عليه يجد نفسه قابلا للخضوع للتحليل الاجتماعي الذي يتجاوز التفكير الفردي التايلوري الذي لا يمكن ألا يُلاحظ فيه خطأ واحد: فهو «من وجهة نظر علم النفس الفكري المتطرف الخاص بالفرد، من شأنه أن يكون عبثا»، حيث «غني عن القول إن مثل هذه الفكرة ليس لها سبب للوجود خارج المجتمع، فهي سخيفة من وجهة نظر العقل الخالص، وإنها لا تَنتُج إلا من اشتغال الحالة الجماعية (Hubert et Mauss, 1950, 101, 114).
والتحليل الاجتماعي الذي أجراه هوبير وموس يحدِّد الظواهر النفسية الاجتماعية المسؤولة عن الإيمان بالسحر. إذا لم تكن هذه المقالة هي المكان المناسب ليعرضا فيه استدلالهم، فمن المفيد أن نتذكر أن المقالة نفسها قد اعترفت للسحر بشكل من أشكال الفعالية، على الرغم من وضعه الوهمي (على سبيل المثال، Hubert et Mauss, 1950, 123). وهكذا كتب هوبير وموس أن «الموافقة العالمية يمكن أن تخلق حقائق»، أو:
«إن عالم السحر مليء بتوقعات الأجيال المتعاقبة، وأوهامهم العنيدة، وآمالهم التي تحققت في الوصفة. هذا كل ما في الأساس، ولكن ما يمنحه موضوعية أعلى بكثير من تلك التي قد يتمتع بها، إذا كان مجرد نسيج من الأفكار الفردية الكاذبة، أو علم بدائي وانحراف» (Hubert et Mauss, 1950, 132).
وأخيرا، فقد هاجم استنتاج المخطط التمهيدي (للنظرية العامة في السحر) العلاقة بين السحر / الدين والعلم كما تصورها أصحاب النزعة الفكرية المتطرفة. وبدلاً من اقتراح تعارض جذري بين هذين المصطلحين، أصر علماء الاجتماع على الاستمرارية التاريخية بين السحر والعلم (16). ومن بين السحرة خرج «مؤسسو علم الفلك والفيزياء والكيمياء والتاريخ الطبيعي والعاملون في هذه المجالات» (Hubert et Mauss, 1950, 136). في الواقع، تشير نهاية المخطط التمهيدي إلى أن السحر قادر على الحصول على نتائج ملموسة(17).
لذلك نحن في وضع يسمح لنا بملاحظة أن المانا اللاعقلانية لماريت وهوبير وموس قد ساهمت، بشكل متناقض، في أن يكون للسحر مكان داخل الأكاديمية، وذلك بإعطائه تفسيرات متماسكة والاعتراف له بفعالية رفضها من البداية أصحاب المذهب الفكري المتطرف الذين لم يكن السحر في نظرهم سوى فظاظة وحشية farrago monstruous (Tylor, 1871, i, 133)، أو حتى علم زائفspurious science (Frazer, 1911, i, 53). في القدرة المزدوجة للمانا على إثبات التجربة ومقولتها النظرية، فقد يسرت في مطلع القرن العشرين دمج السحر في الخطاب العلمي، وانتعاشه لاحقا على يد مصممي اللُّعَب بحثا عن سحر علمي بما فيه الكفاية لترجمته إلى لغة رقمية
إن فكرة وجود تأثير المانا على «إضفاء الصبغة العلمية» أكدتها أعمالُ رودني نيدام – وآخرون من بعده – حول السببية (Needham, 1976; Dureau 2000; Ciminelli 2004)؛ أظهر نيدام كيف أن إثنوغرافيي القرن التاسع عشر والعشرين عندما واجهوا خطابات الأهالي التي تربط بين ممارسات الطقوس (في حالة صيد الرؤوس) والآثار التجريبية (حقول الخصوبة)، فإنهم حاولوا توضيح النظرية السببية الكامنة وراء تلك الخطابات. وفي غياب نظريات سببية تأويلية(18)، فقد افترض العلماء الغربيون مفاهيم مثل «قوة الحياة» – وهي مفاهيم تشكل المانا صورتها الرمزية الأكثر إقناعا لاسيما أنَّ المانا مصطلح مستعار من اللغات المحلية – للتوسط في العلاقة بين الطقوس وتأثيراتها التجريبية. ويلاحظ نيدام، مع ذلك، أن مثل هذه المفاهيم لا تتوافق مع خطابات الأهالي، وأنها تخضع فقط لخطاب أخلاقي (Needham, 1976, 84). ويشير نيدام أيضا إلى أن المصطلحات التي يستخدمها هؤلاء العلماء لوصف هذه المفاهيم – «القوة» و«الطاقة» و«السائلة» و«المادة» – يتم استعارتها مباشرة من مفردات الفيزياء. ويرى نيدام أن هذا المعجم يقترن بطريقة للتفكير في العلاقة السببية التي تنظمها هذه الفيزياء نفسها، والتي فيها «يُقال إن عاملا معينا يتسبب في تأثير معين عن طريق شكل ما من أشكال القوة أو الطاقة» (Needham, 1976, 82-83)(19). وبالتالي، فإن أفكارا مثل المانا، التي تم إدخالها للتوسط بين الطقس وتأثيره (20)، تعكس نموذجا مستعارا من العلوم الصلبة المرموقة. لذلك، فقد ساعدت المانا في الشكل والجوهر في دمج المناقشات الأكاديمية حول السحر والدين في الخطاب العلمي.
4 – بين الأنثروپولوجيا والألعاب، لاري نيڤين
إذا كان تاريخ الأديان والأنثروپولوجيا الناشئان قد شيدا «عِلميةً»، فإنهما لم يخلطا بين السحر والعلم. لم يجد مصممو الألعاب في كل هذه المؤلفات العلمية السحرَ الذي يمكن التنبؤ به والمتكرر الذي يحتاجونه. إذا كانت مانا كودرينݣتون أو موس أو جيراردوس ڤان در ليوي قابلة للقياس الكمي (فلان لديه طاقة أكثر من علان)، فإن مصطلح مانا لم يصبح بالضرورة وحدة مماثلة لوحدة القياس واط(21) watt . هذه الخطوة لن يتخذها مؤرخ الأديان، بل مؤلف الخيال العلمي.
اشتهر لاري نيـﭭـين (1938-) الحائز على بكالوريوس في الرياضيات من جامعة واشبورن Washburn باعتباره مؤلفا للخيال العلمي الصعب، وهو نوع فرعي يتميز بإيجابيته بالإضافة إلى احترامه للمبادئ العلمية المعروفة (22). واهتمامه بالصرامة المنطقية – استنادا إلى الوثائق المستمدة من العلوم الصلبة والعلوم الإنسانية(23) – يظهر أيضًا في نصوصه العجائبية التي يعرض فيها السِّحر. كما اكتسب نيـﭭـين وضع مؤلف الأوهام العقلانية أو الأوهام المنطقية (Miesel, 1978, 203 ; Finholt et Carr, 1982, 460). والواقع أن حكاياته تتميز بالصرامة التي يعتمدها نيـﭭـين «في تطوير استنتاجات عقلانية انطلاقا من فرضيات مختلفة» (Finholt et Carr, 1982, 459-60). فهو، في حكاياته الفانتاستيكية، يطرح مبدأ أن الأساطير المختلفة – التي تعرض الآلهة والأبطال والقوى السحرية – تستعرض التقارير الدقيقة عن ماضينا الذي يعود إلى ما قبل التاريخ. لذا، فنصوصه هي الفرصة لاقتراح تفسير عقلاني للتحول من عالم ما قبل التاريخ الذي يهيمن عليه السحر إلى هذا العالم الذي تحكمه التقنيات التي نعرفها. والإجابة التي يقدمها نيـﭭـين هي: أن السحر قد اختفى من الأرض منذ آلاف السنين التي سبقت ظهور المصادر المكتوبة، وهذا يجبره ( = نيـﭭـين) على إعطاء السحر شكلا خاصا. وتقدم قصته القصيرة قبل وقت ليس ببعيد عن النهاية Not Long Before the End التي كتبها عام 1969 وصفه الأول للسحر وكيفية اشتغاله(24) (Niven, 2005, 98-109) .
تعرض قصة قبل وقت ليس ببعيد عن النهايةNot Long Before the End أطوار معركة بين محارب وساحر، معركة يضعها المؤلف قبل نحو 12000 عام من عصرنا. بعد أن ألقى الساحر سحره على المحارب المحمي بسيف مسحور، دون جدوى، أدرك أنه يجب عليه أن يغير أسلوبه، فأخذ قرصًا نحاسيًا، وبكلمة واحدة، دوّرَه في الهواء، فتسارع القرص حتى انفجر؛ وعندها اختفى السيف. ثم شرح الساحر ما جرى. السحرُ الذي استخدمه يعتمدُ على المانا، شأنه في ذلك شأن أي سحر، وليست المانا سوى «القوة الكامنة وراء السحر» (Niven, 2005, 105). وعلى عكس أشكال السحر الأخرى، فإن هذا السحر الخاص لا يستخدم كمية محددة من المانا(25). وكما اكتشف الساحر، فهناك رابط بين المجال الترابي والمانا: إذا مارستَ السحر لفترة طويلة جدا في مكان واحد، فإن الأمر ينتهي بكَ إلى فقدان استخدامه: تمتمَ الساحر: «مانا، (…) مانا. اكتشف أن القوة الكامنة وراء السحر هي مورد طبيعي، مثل خصوبة التربة. عندما يتعرض للاستنزاف، ينتهي الأمر» (Niven, 2005, 106). وبالتالي، فاستنزاف هذا المورد غير المتجدد هو الذي أدى إلى انقراض العالم المسحور الذي نجده في الأساطير – بما في ذلك طيماوس(26) أفلاطون:
«في يوم من الأيام سيتم استنفاد كل مانا هذا العالم الواسع. المزيد من المانا، والمزيد من السحر. هل تعلم أن أتلانتس Atlantide غير مستقرة من الناحية التكتونية؟ كل جيل من السحرة الملوك يجدد أعمال السحر التي تمنع القارة من الغرق في البحر، لكن ماذا سيحدث عندما ستصبح أعمال السحر غير فعالة؟ سيكون من المستحيل عليهم إخلاء القارة بأكملها في الوقت المناسب» (Niven, 2005, 106).
مع نهاية السحر، سوف يتعين على الإنسانية أن تتحول إلى طريقة أخرى لتقييد الطبيعة والتكنولوجيا. وهكذا تقترح قصة نيـﭭـين القصيرة سحرا جوهريا تنظمه القوانين العالمية(27)؛ وهو سحر يشكل جزءا من عالم أعم هو عالم قوانين الفيزياء. وسحر نيـﭭـين قابل ضمنيا للاختزال في الفيزياء: فهو لا يمثل سوى مجموعة من الطاقة بين أشياء أخرى. ثم تأخذ المانا مكانها باعتبارها وحدة طاقة إلى الواط watt أو الحصان البخاري. لذلك لن يكون من العبث الحديث عن الـ «25 مانا» اللازمة لإنجاز عمل، مثل رمي كرة نارية.
في تاريخ المانا، ظهر لاري نيـﭭـين بمثابة مساعد على المرور بين العالم العلمي وعالم الألعاب. ففي مقابلة أجراها مؤلف هذا النص مع نيـﭭـين، أكد هذا الأخير أنه اكتشف المانا خلال دراسته الجامعية، وأنه قام بقراءات مكثفة للوثائق المتوفرة في هذا الموضوع قبل أن يكتب حكاياته العجائبية – لسوء الحظ لم يتذكر قراءاته المختلفة بدقة. ومع ذلك، فمن المرجح جدا أن تكون النصوص المعنية تنبع من السياق الأكاديمي، ولاسيما من مجال الأنثروپولوجيا(28). ومهما يكن الأمر، فمانا نيـﭭـين تعكس تعريفا قريبا من ذلك الذي صاغه كودرينݣتون في عصره، وهو تعريف يكرره بانتظام مؤرخو الأديان: المانا هي قوة أو قوة غير شخصية وجوهرية وخارقة للطبيعة تُلاحظ تأثيراتها تجريبيا (Codrington, 1891, 118-19).
وإذا كانت لا تزال هناك مناطق ظل، بخصوص المانا، بين خطابات نيـﭭـين العالمة وحكاياته العجائبية، فإن طرقَ إعادة امتلاك المانا في عالم الألعاب يمكنُ إقامتها بطريقة أكثر رسوخًا. يؤكد مصمم الألعاب الأول الذي وظف المانا، وهو ݣريݣ كوستيكيان، أن قصة نيـﭭـين القصيرة كانت هي مصدره الوحيد(29). وذكر كوستيكيان أيضا في كتيب قواعده أن لعبته أدخلت كلمات جديدة (Costikyan, 1978, 8). يستشهد أندريو جاروس مصمم النظام السحري للعبة سيد الزنزانة Dungeon Master (Faster than Light Games, 1987)، وهي أول لعبة ڤيديو تستخدم المانا، يستشهد بقواعد كوستيكيان باعتبارها مصدرا (30). لقد ضمن النجاح الملحوظ للعبة سيد الزنزانة(31) Dungeon Master انتشار المانا في ألعاب الڤيديو الأمريكية، حتى تحقيق نجاحات تجارية كما في حالة لعبة ورلد أوف ووركرافت World of Warcraft (Blizzard Entertainment, 2004) أو ديابلو III Diablo III (Blizzard. وقد وجد ريتشارد ݣارفيبلد R. Garfield مصمم لعبة Magic the Gathering card (1993) هو الآخر لدى نيـﭭـين فكرة المانا باعتبارها موردا (فوق) طبيعي للسحر. كما خلَّد هذا الدَّين لنيـﭭـن ببطاقة تحمل عنوان «قرص نيـﭭـينيرال Nevinyrral’s Disk»؛ وهي بطاقة تبدو، بالإضافة إلى كتابة اسم الكاتب على الجانب الآخر، كأنها تعويذة سحرية تذكرنا بقرص القصة القصيرة(32).
5- المانا وبناء سحر اللعب
ما الذي يجلبه هذا المصطلح الغرائبي لهؤلاء المصممين الذين يريدون أن يعطوا مكانا للسحر في لعبهم؟ اقترح لاري نيـﭭـين أن المانا تُستخدم لأن اللاعبين gamers يحبون القواعد والاتساق والمنطق. ومع ذلك، يبدو لي أن المسألة ليست مسألة حب بقدر ما هي ضرورة. يرى المصممون والمتخصصون في دراسات الألعاب game studies أن الألعاب تحمل في ذاتها مطلبا للاتساق ينطبق أيضًا على نظام السحر الذي يستخدمونه (على سبيل المثال، Poole, 2000, 50-51). لا يمكن ترك شروط إلقاء سحر ما وتأثيراته للصدفة دون المخاطرة بإفساد تجربة اللعب التي يزاولها اللاعب. في معظم الألعاب التي تظهر فيها المانا، تلعب أعمال السحر دورا مهما في بقاء الشخصية على قيد الحياة، لذا يجب أن تكون آثارها قابلة للتوقع حتى تكون مفيدة.
تقدم لعبة الڤيديو ديابلو Diablo II مثالا جيدا. كما هو الحال مع الشخصية التي يتحكم فيها اللاعب، فإن حياة أعدائه يتم التعبير عنها رقميا. ولقتلهم، يجب عليك أن تلحق بهم عددا من نقاط الضرر مُساويا لمجموع نقاط حياتهم. ويمكن للسحر، بالموازاة مع السلاح الأبيض، أن يتسبب في إلحاق مثل هذه الأضرار. فسحر إلقاء «كرة النار»، على سبيل المثال، يتيح إلحاق كمية معينة من الضرر تختلف باختلاف مستوى السحر والقدرات السحرية الأخرى للشخصية. وهكذا، فكرة نارية من المستوى 1 تتسبب في حدوث ضرر بين 6 و15 نقطة، بتكلفة 5 مانا، بينما في المستوى 20، يمكن أن تلحق كرة النار السحرية نفسها ما يصل إلى 258 نقطة من الضرر بمبلغ 14,5 مانا. أكثر من ذلك، إذا تعلمت ساحرتك القدرة السحرية على «إشعال النار»، فإنها تزيد من قوة كراتها النارية بنسبة 30 ٪ في المستوى 1 وبنسبة 163 ٪ في المستوى 20 (33). وإذا ما توفر اللاعب على هذين السحرين («كرة نارية» و«إشعال النار») عند المستوى 20، فإنه سيعرف أنهما يلحقان ما بين 598 و679 ضررا بالوحش. بفضل هذه المعلومات، يمكن للاعب أن يتوقع عدد أعمال السحر التي سيتعين إلقاءها، وتأثيرها، بالإضافة إلى مقدار المانا الذي سيضطر إلى إنفاقه. إلى جانب المهارة اليدوية للاعب، تعد إدارة الموارد المحدودة، وهي المانا في هذه الحالة، عنصرا أساسيا في تجربة اللعبة (Costikyan, 1994).
في حالة لعبة ديابلو Diablo II، قد يبدو أن القياس الكمي للمتغيرات المختلفة مفروضا من خلال الوسيط الذي هو البرنامج المعلوماتي. ومع ذلك، تظهر ألعاب أخرى (Swords & Sorcery, Magic the Gathering) أن هذا التحديد الكمي لا يلبي بالضرورة المتطلبات التكنولوجية. لقد قام مصممو الألعاب بتعبئة المانا لأن ألعابهم فرضت ذلك، وليست منصات مزاولة هذه الألعاب هي التي تطلبتها (34). ففي المقام الأول، تتيح المانا باعتبارها موردا (أي «نقاطا سحرية») التحكم في استخدام السحر في فترة زمنية معينة – سواء كانت المدة مدة دورة لعب أو محددة في وقت حقيقي(35). إذا كانت كرة نارية تكلف 14 مانا والشخصية لديها ما مجموعه 220 مانا، فيمكنه رمي 15 مانا؛ بعد ذلك سيتعين عليه إما التراجع أو إيجاد طريقة لتجديد احتياطاته من المانا. يتعلق الأمر هنا بالحد من القوة النارية للسحرة، سواء للحفاظ على التوازن بين الشخصيات التي تستخدم السحر وتلك التي يجب الاستغناء عنها (كما هو الحال في لعبتي (Swords & Sorcery, Magic the Gathering، أو لتعزيز تطوير دورة من اللعبة على عدد كبير بما فيه الكفاية من الأشواط (كما هو الحال في(36) لعبة Magic the Gathering).
ويلعب تحديد كمية الموارد السحرية دورا آخر. ففي سياق يكون فيه استخدام السحر محدودًا، تعتبر المعلومات التي تمثلها كمية المانا المتاحة أمرا ضروريا. لتجنب الهزيمة، يتحتم على اللاعب أن يعرف بدقة في جميع الأوقات ما هي أنواع السحر التي يمكنه إلقاءها. من خلال جعل بيانات هامة «مقروءة» (Caïra, 2007, 214-215) أو «قابلة للتمييز»، تجعل المانا هذا الجانب من اللعبة «مهما» (ذو مغزى meaningful)، مما يساهم في نجاحها، وفقا لزيمرمانZimmerman (2005, 60) :
«إن قابلية التمييز في اللعبة تخبر اللاعبَ عما حدث عندما قام بعمل ما. وبدون تمييز، يستطيع اللاعب أن يضغط على أزرار أو أن يطلق بطاقات بشكل عشوائي. تمثل قابلية التمييز عنصرا أساسيا لجعل اللعبة ذات مغزى» (Salen et Zimmerman, 2005, 62).
وبذلك، فالمانا تجعل استخدام السحر في اللعب أمرا متسقا ويمكن توقعه. وكما كان الحال في الأنثروپولوجيا الدينية لأوائل القرن العشرين، فقد جعلت المانا من السحر علما. ومع ذلك، يجب جعل هذا الاستنتاج ينطوي على فروقات دقيقة بقدر ما ليس الدال «مانا» نفسه هو الذي يُجري هذا التحول ولكن تحويله إلى مفهوم باعتباره وحدة موارد، أو طاقة. وبدائل هذا المصطلح موجودة كما يظهر ذلك في صناعة ألعاب الڤيديو اليابانية التي طالما تجاهلت مصطلح «مانا». فسلسلة لعب الأدوار الرقميةFinal Fantasy الشهيرة جدًا، وهي من إنشاء هيورونوبو ساكاݣوشي Hironobu Sakaguchi وإنتاج سكوار إنيكسSquare Enix في عام 1987، تستخدم بشكل عام نظامًا سحريًا يتعين على اللاعب فيه أن ينفق كمية من الموارد لإلقاء سحر. ولكن المورد هنا لا يأخذ اسم المانا، بل يأخذ اسم؟؟؟؟؟؟؟؟(37) ، النسخ الحرفي للعبارة الإنجليزيةMagic Points (نقاط سحرية الإنجليزية) بخط الكاتاكانا katakana (وهو المنهج المستخدم لنسخ كلمات من أصل أجنبي)(38).
إذا كانت المانا ليست ضرورية للألعاب التي تستخدم السحر، فما الذي تأتي به هذه الكلمة الغرائبية للمصممين الذين اختاروا إدخالها في أعمالهم؟ يشير كوستيكيان الذي اقترضها من نيـﭭـين وليس من الخطابات العالمة إلى أن المانا مرادف لنقطة السحر/الرقية spell point. ثم يشرح أن المصطلح الأول بدا له أكثر إثارة وأكثر عجائبية، في حين تجنب المصطلح: «إن تعبير spell point يكسر الجو العجائبي إلى حد ما» (Costikyan, 2013). وفي ملاحظة مرافقة للعبة، أكد كوستيكيان رغبته في تقديم لعبة يمكن أن ترضي محبي الأدب العجائبي:
«لقد حاولنا، قدر الإمكان، بناء خلفية خيالية متماسكة ومثيرة للاهتمام لـS&S؛ وإجمالا، تم تطوير الخلفية قبل اللعبة. إننا نقدم الكثير من المواد السياقية في اللعبة على شكل ملاحظات تاريخية، وأوصاف السيناريوهات، والقصص، وأوصاف الشخصيات، والقصص» (Costikyan, 1978a).
ينبع استخدام مصممي لعبةDungeon Master (1987) من نفس الرغبة في تجنب المصطلحات التقنية المفرطة مع اقتراح مصطلح بسيط وسهل التذكر:
«كان المصطلح (مانا) بسيطا وقصيرا وحدسيا. لفظة “نقطة” مفهوم يشير إلى “اللعب” أكثر مما ينبغي. (…) في حين لا توحي كلمة مبتكرة مثل “grigelsep” بأي شيء، كما أنها ليست سهلة النطق» (Jaros, 2012).
هذه المانا، يستقيها أندريو جاروس مدير نظام سحر لعبة Dungeon Master المحصن من كوستيكيان الذي كتب الشكل الإملائي لكلمة «مانا Manna». ولذلك، فإن جاروس الحائز على تكوين في علم الكيمياء لا يرى في المانا إشارة إلى ميلانيزيا أو حكايات نيـﭭيـن العجائبية، بل يرى فيها، بسبب جناس لفظي تصادفي، إشارة إلى الأحداث الخارقة للطبيعة التي وردت في السرد التوراتي لسفر الخروج (16: 1-36؛ المن manne، في اللغة الإنجليزية مانا manna، الذي منحه الله لإطعام العبرانيين في الفيافي). وعلى هذا الأساس، يستخدم جاروس، وهو لاعب Swords & Sorcery، مصطلح «مانا» عندما يقدم أفكاره من أجل نظام السحر في لعبة Dungeon Master. ومع ذلك، فجاروس يوضح:
«اقترح مديري في شركة FTL Games (ناشر اللعبة) واين هولدر W. Holder، تخليص الكلمة من حمولتها الشيطانية، فوافقتُ، لذا اخترنا أحرفا صغيرة وحذفَ حرف n واحد، فكتبنا mana بدل Manna» (Jaros, 2012)
ما الذي يضيفه اصطلاح مانا إلى عالم الألعاب في نهاية المطاف؟ بالإشارة التي يتضمنها إلى ما هو عجائبي وفوق طبيعي عام، فهو يعيد سحرَ السِّحر بما هو تقني للغاية إن لم يكن علميا. فهذا المصطلح يتيح منح ما هو قاعدة لعبة في نهاية المطاف بُعدًا تمثيليا (Mäyrä, 2008, 17-18). ومن خلال استحضار المانا لحكايات سحر نيـﭭـين وأبطاله، ثم العالم الذي تسكنه التنانين والعفاريت وأعمال السحر الذي بناه كوستيكيان، فهي ( = المانا) تسهم في إدراج الألعاب التي تحتشد في التناص الشاسع للأدب العجائبي (J. R. R. Tolkien، و Howard P. Lovecraft، على وجه الخصوص) ومصادره الأسطورية – والواقع أن كلا من لعبتي Swords & Sorcery وDungeon Master تتضمنان العديد من الإشارات إلى أساطير الهند وأوروبا ما قبل المسيحية (ولكنهما لا تحيلان بأي حال من الأحوال إلى الأساطير الأوقيانوسية (Costikyan, 1978, 51 ; Holder, 1987, xiv). وقد أطلق ماتيو ليتورنو على هذه الوظيفة، أي وظيفة إحالة المانا إلى عالم من المعنى، نعت «الأجوائية». فهو يرى أن «القيمة الأجوائية» للمانا تساهم في إكساب اللعبة انطباع العمق السردي الذي تُغيِّبه قيود اللعب(39) gameplay (Letourneux, 2005, 202-03). وبذلك فاستخدام المانا اللعبي، في السطح على الأقل، هو عكس ما يجده المرء في السياق الأكاديمي.
6 – خلاصـة
إذا كانت المانا في السياقين اللذين تمت مناقشتهما هنا تعلب دور عامل في فعالية الطقوس، فإن استخدامها يختلف تماما أو حتى يتعارض. في حالة الأنثروپولوجيا وتاريخ الأديان في القرنين التاسع عشر والعشرين، تم تعبئة المانا لتعزيز شرعية خطاب منحدر من العلوم الإنسانية والاجتماعية، من خلال تقديم وثائق تجريبية من جهة، ولكن أيضًا من خلال إضفاء هيبة وسلطة على ما يسمى بالعلوم الصلبة على هذا الخطاب، من جهة أخرى. ولاري نيـﭭـين الذي كان يحاول ترشيد السحر، محق في هذا. وفي الحالة الثانية، استعاد عالم الألعاب المانا لتمويه الانتظام الذي تفرضه الاعتبارات التقنية التي كانت تهدد بجعل اللعب مملا. ويستمر هذا التعارض في الأوضاع المختلفة الممنوحة للمانا. من مقولة عالمة، يصبح هذا المصطلح الأوقيانوسي اسم وحدة للقوة السحرية التي تشير إلى قدسي عام وغير محدد، غرائبي (بصوته) ومألوف (في شكليه الفيزيائي الرياضي).
ولكن، بعيدا عن هذه الاختلافات، تم استدعاء نوعي المانا لهدف مماثل – نقل خصائص خطاب ثاني (فيزيائي عجائبي) إلى خطاب أول (علوم إنسانية، قواعد اللعبة). ولكن هذا التقارب قد لا يكون هو الوحيد. فهذا الجمع بين المـان manne (المانا manna) الذي تصوره أندروز جاروس لقي صدى في سياق مختلف تماما. ويعتبر آرثر هوكارت، عالم الأنثروپولوجيا البريطاني النشط في الميدان الأوقيانوسي، حيث لاحظ الاستخدام العام للمصطلح، من بين أوائل معارضي المانا التي تم رفعها إلى رتبة مقولة نظرية. ومع ذلك، ففي مقال نشر باللغة الإنجليزية في عام 1922، طرح هوكارت بشكل عرضي إلى حد ما مسألة نجاح «المانا» في تخصصه، فقدم ثلاث تفسيرات في هذا الصدد: لا توجد المانا إلا عند ما يسمى بالأشخاص «المتوحشين»، وكان هؤلاء موضة في عام 1922؛ والافتقار إلى الأدبيات يتيح للمرء أن يقول ما يشاء؛ وأخيرا تتمتع المانا «بميزة صوتية على منافسيها: فهي بسيطة وسهلة، وتستحضر العهد القديم» (Hocart, 1922, 139 ; cf. Smith, 2004, 118). ينتمي هوكارت وجاروس إلى سياقين خطابيين يعتبرهما مجتمعنا متمايزين، ولكنهما يتفقان على تأثير التجانس العرضي مع مان (مانا manna) الكتاب المقدس. وهكذا تطرح المانا السؤال المزعزع للاستقرار المتعلق بالاستمرارية بين خطابات يفترض أن تكون منيعة. وعلى نفس القدر من زعزعة الاستقراء، فإن الوجود الضمني للكتاب المقدس يذكر بوزن التراث المسيحي في تكوين تاريخ الأديان والأنثروپولوجيا، ويدعونا إلى التساؤل عما إذا كان وراء مانا الميلانيزيين – مانا مولر وماريت وهوبير وموس وغيرهم – قد لا تختفي المانا الإلهية في آخر المطاف.
يساهم تاريخ المانا في إشكالية الطقوس الرقمية بطرق عديدة. فهي تذكِّر في المقام الأول بأن الطقوس، وتمثلات فعاليتها، التي تم دراستها عن طيب خاطر في وقت متزامن، لها قصصها. وبالتالي، فالمانا تسمح لنا بأن نلاحظ في وقت متعاقب كيف يتم بناء فعالية الطقوس ولأي أغراض، وما هي القيود والإمكانيات التي يواجهها مصممو الألعاب الذين يعبئون مقولة الطقوس. وأخيرًا، يشير تاريخ المانا إلى أن المصادر المستخدمة في بناء فعالية طقوسية رقمية لا تقتصر على عدد قليل من النصوص الأنثروپولوجية والفانتاستيكية، ولكنها تشارك في تناص واسع ومنتشر. لذلك ليس هناك شك في أن تكون الطقوس الرقمية مدعوة لاحتلال مكانة متميزة في العلوم الإنسانية والاجتماعية.
نيكولاس ميلان: السحر الرقمي والسحر الأنثروپولوجي. المانا في بناء الفعالية الطقوسية
ترجمة محمد أسليم
هوامـــش:
(1) في Diablo II، على سبيل المثال، توجد مثل هذه العبارات في الواجهة التي تصف أعمال السحر، حيث نجد صيغة «mana cost» متبوعة برقمٍ.
(2) في رسالة بريد إلكتروني موجهة إلى المؤلف بتاريخ 13 مارس 2013، يشير كوستيكيان إلى أن الكتابة الإملائية «mana» بدلاً من «Mana» يرجع إلى خطأ من جانبه. وكما هو موضح أدناه، فإن مطوري الألعاب الذين استلهموه قد قاموا بتصحيح هذا الخطأ. لا ينتمي الحصان البخاري (ch) إلى النظام المتري، ومع ذلك فهو قابل للتحويل، بحيث 1 حصان = 736 واط.
(3) حول نقاط الحياة في ألعاب الفيديو، انظر ستيفنSteffen (2012, 261-74) ؛ بوول (2000, 56). ويعرف كوستيكيان نقاط الحياة أو النقاط العليا كالتالي: هي نقاط قياس كمية الضرر البدني والعقلي التي قد تتلقاها الشخصية قبل اعتبارها ميتة.» (Costikyan, 1978, 37).
(4) من بين العلماء المشاركين في تحويل المانا من المفهوم العامية الخاص بجزء من أوقيانوسيا إلى فئة نظرية للتطبيق العالمي: Müller (1878, 53-54)؛ King (1892, i, 135-36)؛ Marett (1909).
(5) رسالة كودرينݣتون مؤرخة في 7 يوليو 1877. نُشر النص جزئيًا في مولر (1879, 53-54) Müller، وأعاد نشرها كودرينݣتون في كودرينݣتون (1891, 118-19) Codrington.
(6) مصطلح «القوة» نفسه أساسي في ميكانيكا نيوتن.
(7) يُلاحظ أنه بقدر ما يشير كودرينݣتون إلى أن لديهم مانا أكثر من الآخرين، وهو ما يُلاحظ، على سبيل المثال، من الدرجة التي يصلون إليها داخل الأندية (1891، 103)، تصبح المانا قابلة للقياس الكمي. انظر: Hubert et Mauss (1950, 110-11).
(8) ومع ذلك، فموس وهوبير ينكران أنهما يمنحان فعالية مادية، غير اجتماعية للسحر أو الدين، راجع: Dianteill (2013, 180-81).
(9) Firth (1940, 484) ; Marett (1909, 128 ; 1916, 376) ; Durkheim (1960, 271).
وحول هذا التنظير للمانا، انظر: Smith (2004)، وStyers (2012. وللاطلاع على هجوم على الطابع العلمي الظاهر للمانا عند هوبير وموس، انظر: Lévi-Strauss (1950, xli-l).
(10) قائمة المهاجمين طويلة، وسيذكر هنا فقط: Hocart (1914) ; Lehmann (1915) ; Hogbin (1936) ; Firth (1940) ; Keesing (1984) ; Ciminelli (2004).
(11) بالنسبة لمكانة تايلور بين عامي 1870 و1900، انظر ماريت (1941, 157) Marett: «لقد دُفعت (في عام 1899) لمهاجمة الإحيائية التايلورية التي تلقت ولاء الجميع لمدة ثلاثين عامًا». انظر أيضًا المقاطع الطويلة التي خصصها دوركهايم في عام 1912 لدحضه (Durkheim, 1960, 67-99, 239-44).
(12) أعني بالطبيعية نظرية لا توظف عناصر حارقة للطبيعة. انظر: Preus (1987).
(13) بخصوص حياة مولر وأعماله، انظر: بوشBosch (2002). أما عن طبيعة الوحي عنده، فانظر: مولر Müller (1879, 20).
(14) يصف سترنسكي Strensky (2006, 94) تايلور بـ undertaker of religion، أي الفاتك بالدين.
(15) ولكن عندما يسدد الساحر ببساطة رمحًا سحريًا في اتجاه شخص… بعيد، ويموت هذا الشخص بعد ذلك، فإن الساحر… سيلاحظ بالتأكيد شيئا غير مباشر في عمل السلاح الرمزي، فيستدعي جراء ذلك تفسيرا بعبارات غير ميكانيكية. ليس الرمح نفسه هو السبب، ولكن القوة الخفية داخل الرمح أو خلفه. علاوة على ذلك، لن يفشل وعيه في إعطائه فكرة حدسية عن طبيعة هذه القوة، وهي إسقاط إرادته، قوة نفسية، مظهر من مظاهر قدرته على التصرف، وهي المانا (Marett, 1909, 57).
(16) في الحالة الأولى، ستكون الصورة صورة قطعة نقدية يحتل فيها السحر والعلم كلا الجانبين. أما في الحالة الثانية، ستكون الصورة مخطط فين diagramme de Venn، مع منطقة مشتركة.
(17) لحسن الحظ أن الفن السحري لم يعد من تحركاته دائمًا خالي الوفاض. فقد تعامل مع المواد، وقام بتجارب حقيقية، وحتى باكتشافات (Hubert et Mauss, 1950, 134)..
(18) «ولكن ما لم يكن بالإمكان شرحه على الإطلاق، سواء عن طريق القياس أو من خلال إيجاد معادِلات لغوية أو بأي طريقة أخرى، هو كيف ينتج السبب التأثير» (Needham 1976, 78).
(19) يصر نيدام على أن هذا التمثيل للسببية يتخلل «التجربة اليومية للحضارات التكنولوجية» (Needham, 1976, 82).
(20) راجع كودرينݣتون Codrington (1891, 191): «(المانا) هي القوة النشطة في كل ما يفعلونه ويعتقدون أنه يتم في السحر».
(21) «القوة الحيوية، السعادة (la hamingja) (المعادل الاسكندناڤي للمانا وفقًا لـ Gerardus Van der Leeuw) جيراردوس ڤان در ليوي) هي كِبرٌ كمي» (Van der Leeuw, 1948, 13).
(22) من أجل توصيف لنصوص نيـﭭـن، انظر ويلسون Wilson (1981, 37-48) ; Finholt et Carr (1982). للحصول على وصف للخيال العلمي الضاجّ، انظر وولف. Wolfe (1986, 51, 92) يلاحظ نيـﭭـن، في إحدى مقابلاته، أنه «لا يمكنك اختراع قوانين الفيزياء الخاصة بك. هذه هي أفضل طريقة لفقدان المصداقية في المجتمع» (Elliot, 1979, 19).
(23) «السفينة الفضائية: يعتقد بعض الناس أنه من أجل كتابة خيال علمي جيد، يجب امتلاك دراية بالعلوم الاجتماعية والعلوم الفيزيائية. هل تعتقد أن هذا هو شرط أساسي ضروري؟ نيـﭭـن: نعم تمامًا (…) فقد اكتسبتُ قدرًا لا بأس به من المعرفة، على سبيل المثال في علم الاجتماع» (Elliot, 1979, 18).
(24) في عام 1978، كتب نيـﭭـين نصًا أطول تناول فيه مجددا موضوع هذه القصة، عنوانه (السحر يذهب بعيدا) The Magic Goes Away، وهذا الاسم ينطبق على جميع النصوص المكتوبة في هذا الموضوع.
(25) «القرص؟ لقد قلت لك ذلك. عملٌ سحريٌّ مشهدي ليس له حدّ أعلى. يستمر القرص في التسارع حتى يتم استنفاد كل المانا» (Niven, 2005, 107).
(26) مترجمة إلى اللغة العربية، ضمن: أفلاطون، المحاورات الكاملة، ترجمة: شوقي داود تمراز، بيروت، الأعلية للنشر والتوزيع، المجلد الخامس، صص. 377-501). (م).
(27) في رسالة بريد إلكتروني موجهة إلى المؤلف بتاريخ 14 مارس 2013، يقول نيـﭭـين، «أظن أن اللاعبين قد استولوا على المصطلح (مانا). مثلي، هم يحبون أن يكون للعالم العجائبي قواعد رائعة.
(28) في رسالة إلكترونية بتاريخ 3 نوفمبر 2010 إلى المؤلف، ذكر نيـﭭـن لورانس (1964) كمصدر، ولكن هذا النص الذي كتبه عالم الأنثروبولوجيا المتخصص في ميلانيزيا، لا يرد فيه ذكر للعبارة مانا.
(29) في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى الكاتب، مؤرخة في 13 مارس 2013، كتب كوستكيان، «لقد استقيت (المانا) من قصص لاري نيـﭭـين». وحيث كتيب القواعد مؤرخ في عام 1978، فإن القصص المعنية تتلخص في نص لم يمض وقت طويل قبل النهاية Not Long Before the End.
(30) في رسالة إلكترونية بتاريخ 8 أغسطس 2012 موجة إلى المؤلف، كتب جاروس: «أول مرة رأيت فيها هذه الكلمة تستخدم للإشارة إلى الطاقة السحرية كانت في لعبة Swords & Sorcery التي نشرتها Simulations Publications, Incorporated, ou SPI (في عام 1978). وقد استخدمت التعريف نفسه كثيرًا لاحقًا عند تصميم نظام السحر للعبة D(ungeon)M(aster)».
(31) تسرد صفحة ويكيبيديا المخصصة لبرنامج Dungeon Master قائمة المكافآت التي فازت بها هذه اللعبة:
http://en.wikipedia.org/wiki/Dungeon_Master_(video_game)#cite_ref-CGWaward_8-0
(تم استشارتها يوم 18 أبريل 2013).
(32) للحصول على صورة للبطاقة، انظر الرابط التالي (تم استشارته في 5 أبريل 2013):
http://gatherer.wizards.com/pages/card/Details.aspx?multiverseid=159266
(33) هذه المعلومات متاحة على الإنترنت (تم استشارتها في 15 أبريل 2013):
http://classic.battle.net/diablo2exp/skills/sorceress-fire.shtml
(34) للاطلاع على مناقشة تفصيلية لدور المانا في لعبة Magic the Gathering بواسطة أحد مطوريها، انظر روزواتر Rosewater (بدون تاريخ).
(35) «يمكن للشخص، أثناء تنفيذ المرحلة السحرية، أن يلقي قدر ما يشاء من أعمال السحر؛ الحد الوحيد هو عدد نقاط المانا الذي يملكه في بداية المرحلة» (Costikyan, 1978, 32). ومن المفيد مقارنة الحل المعتمد لهذه المشكلة في الإصدار الأول للعبة الأدوار العجائبية Dungeons & Dragons (première édition Tactical Studies Rules, 1974). لا يُسمح للشخصيات التي تستخدم السحر بأن تلقي سوى سحر واحد في كل دورة من اللعب، وبالتالي ليس هناك حاجة لمنح السحر موردًا كميًا.
(36) يشير روزنواترRosewater (nd) إلى أنه في Magic the Gathering: «يعمل نظام المانا بمثابة صمام ضغط ويضمن حدوث شيء ما في كل طور من أطوال اللعبة، ولكن ليس شيئا كثيرًا».
(37) كذا في النص الأصلي. (م).
(38) أدين بهذه المعلومات لماثيو پيليه Matthieu Pellet ، أشكره هنا.
(39) تم تصور هذه القيمة الأجوائية مع مصطلح «النكهة» من قبل مصممي لعبة Magic the Gathering، انظر على سبيل المثال. باير (2010) Beyer. وبشكل أعم، حول دور التمثيل الديني في ألعاب الفيديو، انظر: Di Filippo et Schmoll (2013).
ببليوغرفيا:
Beyer D. (2010). What is Flavor. https://www.wizards.com/Magic/magazine/Article.aspx?x=mtg/daily/stf/92
Bosch L. van den (2002). Friederich Max Müller: A Life Devoted to the Humanities. Brill, Leiden.
Caïra O. (2007). Jeux de rôle. Les forges de la fiction. CNRS Éditions, Paris.
Ciminelli M. L. (2004). ?ama (nyama) as a Cause of Evil and Illness: Analysis of a Mana-Concept in the Bamana Context. Quaderni di semantica, vol. 25, p. 9-23.
Codrington R. (1891). The Melanesians: Studies in their Anthropology and Folk-Lore. Clarendon, Oxford.
Costikyan G. (2013). Courriel adressé à l’auteur, 13 mars 2013.
Costikyan G. (1994). I Have No Words and I Must Design. http://www.costik.com/nowords2002.pdf
Costikyan G. (1978). Rules of Play. Swords & Sorcery: Quest and Conquest in the Age of Magic. Simulations Publications, Inc., New York.
Costikyan G. (1978a). Designer’s Notes. Swords & Sorcery: Quest and Conquest in the Age of Magic. Simulations Publications, Inc., New York.
Di Filippo L., Schmoll P. (2013). Mise en scène et interrogation du sacré dans les jeux vidéo. Revue des sciences sociales, vol. 49, p. 64-73.
Dianteill E. (2013). De la magie dans le don. Retour sur Marcel Mauss, Claude Lévi-Strauss et Maurice Godelier. Marcel Mauss. L’anthropologie de l’un et du multiple. PUF, Paris, p. 159-185.
Dureau Ch. (2000). Skulls, Mana, and Causality. Journal of the Polynesian Society, vol. 109, p. 71-98.
Durkheim É. (1960). Les formes élémentaires de la vie religieuse. Quadrige, Paris.
Elliot J. (1979). Two Interviews: Larry Niven. Starship, fall, p. 11, 17-23.
Finholt R., Carr J. (1982). Larry Niven. Science Fiction Writers: Critical Studies of the Major Authors from the Early Nineteenth Century to the Present Day, Scribner, New York, p. 459-465.
Firth R. (1940). The Analysis of Mana: An Empirical Approach. The Journal of the Polynesian Society, vol. 49, p. 482-510.
Frazer J. (1911). The Golden Bough: A Study in Magic and Religion. Macmillan, London.
Hocart A. (1922). Mana Again. Man, vol. 79, p. 139-141.
Hocart A. (1914). Mana. Man, vol. 14, p. 97-101.
Hogbin I. (1936). Mana. Oceania, vol. 6, p. 241-274.
Holder N. (1987). Chaos Unleashed. Dungeon Master. Faster Than Light Games, 1987.
Hubert H., Mauss M. (1950). Esquisse d’une théorie générale de la magie. Sociologie et anthropologie. PUF, Paris, p. 1-141.
Jaros A. (2012). Courriel adressé à l’auteur, 8 août 2012.
Keesing R. (1984). Rethinking Mana. Journal of Anthropological Research, vol. 46, p. 137-156.
King J.H. (1892). The Supernatural, its Origin, Nature, and Evolution, 2 vols., Williams and Norgate, London.
Lawrence P. (1964). Road Belong Cargo: A Study of the Cargo Movement in the Southern Madang District, New Guinea, Manchester University Press, Manchester.
Lehmann F.R. (1915). Mana. Eine begriffsgeschichtliche Untersuchung auf ethnologische Grundlage, Druck der Spamerschen Buchdruck, Leipzig.
Letourneux M. (2005). Les univers de fiction des jeux vidéo. Le game design de jeux vidéo. Approches de l’expression vidéoludique. L’Harmattan, Paris, p. 195-207.
Lévi-Strauss C. (1950). Introduction à l’œuvre de Marcel Mauss. Sociologie et anthropologie. PUF, Paris, p. ix-lii.
Marett R. (1941). A Jerseyman at Oxford. Oxford University Press, Oxford.
Marett R. (1916). Mana. Encyclopædia of Religion and Ethics. T. & T. Clark, Edinburgh, p. 375-380.
Marett R. (1909). The Threshold of Religion. Methuen, London.
Mäyrä F. (2008). An Introduction to Game Studies: Games in Culture. Sage, Los Angeles.
Miesel S. (1978). The Mana Crisis. The Magic Goes Away. Ace, New York.
Müller M. (1879). Origine et développement de la religion étudiés à la lumière des religions de l’Inde. Reinwald, Paris.
Müller M. (1878). Lectures on the Origin and Growth of Religion as Illustrated by the Religions of India. Longmans, Green and Co., London.
Müller M. (1873). Science de la religion. Germer Baillière, Paris.
Needham R. (1976). Skulls and Causality. Man (N. S.), vol. 2, p. 71-88.
Niven L. (2013). Courriel adressé à l’auteur, 14 mars 2013.
Niven L. (2010). Courriel adressé à l’auteur, 3 novembre 2010.
Niven L. (2005). Not Long Before the End. The Magic Goes Away Collection. Pocket, New York, p. 98-109.
Poole S. (2000). Trigger Happy : Videogames and the Entertainment Revolution. Arcade, New York.
Preus S. (1987). Explaining Religion : Criticism and Theory from Bodin to Freud. Yale University Press, New Haven.
Rosewater M. (n. d.). Mana Action, http://www.wizards.com/Magic/magazine/Article.aspx?x=mtg/daily/mm/145
Salen K., Zimmerman E. (2005). Game Design and Meaningful Play. Handbook of Computer Game Studies. The MIT Press, Cambridge, MA, p. 59-79.
Smith J. Z. (2004). Manna, Mana Everywhere and /?/?/. Relating Religion: Essays in the Study of Religion, The University of Chicago Press, Chicago, p. 117-144.
Steffen O. (2012). Religion from Scholarly Worlds to Digital Games: The Case of Risen. Religions in Play: Games, Rituals, and Virtual Worlds. Pano, Zürich, p. 261-274.
Strensky I. (2006). Thinking about Religion: An Historical Introduction to Theories of Religion. Blackwell, Malden, MA.
Styers R. (2012). Mana and Mystification: Magic and Religion at the Turn of the Twentieth Century. Women’s Studies Quarterly, vol. 40, p. 226-243.
Turner V. (1973). Symbols in African Ritual. Science, vol. 179, p. 1100-1105.
Tylor E. (1871). Primitive Culture: Researches into the Development of Mythology, Philosophy, Religion, Art, and Custom, 2 vols. Murray, London.
Van der Leeuw G. (1948). La religion dans son essence et ses manifestations: phénoménologie de la religion. Payot, Paris.
Wilson R. (1981). Larry Niven. Twentieth Century American Science-Fiction Writers. Part II : M-Z, Gale, Detroit, p. 37-48.
Wolfe G. (1986). Critical Terms for Science Fiction and Fantasy : A Glossary and Guide to Scholarship. Greenwood, New York.