الرقمية باعتبارها ثورة صناعية ثالثة
الرقمية باعتبارها ثالث نسق تقني يظهر في العصر الحديث
الرقمية باعتبارها ثورة فكرية رابعة وإبدالا ما بعد حداثي ناشيء
الرقمية باعتبارها حاملا جديدا (أو تقنية جديدة لتسجيل الذاكرة)
الرقمية باعتبارها ثورة صناعية ثالثة
تعتبر الثورة الرقمية ثالث ثورة صناعية يعرفها العصر الحديث، وانتقالا من النسق التقني الميكانيكي إلى النسق الرقمي، وتقنية جديدة لتسجيل الذاكرة، وأحد الإبدالات الناشئة في ظل أزمة الحداثة، وثورة فكرية رابعة. وما من وجه من هذه الوجوه إلا وله تأثير كبير على الحقل الثقافي في سائر المجتمعات اليوم.
يرى جيريمي ريفكين Jeremy Refkin أنّنا نكون إزاء ثورة صناعية عندما يتم استبدال مصدر للطاقة بآخر جديد، وتظهر شبكة جديدة من الاتصالات(1). بناء عليه، يميز هذا العالِمُ بين ثلاث ثورات عرفها العصر الحديث:
– الثورة الصناعية الأولى (منتصف ق XVIIIم): تمثلت في اختراع الآلة البخارية واستعمال الفحم الحجري، وإنشاء شبكات للسكك الحديدية والملاحة البحرية، فكانت بذلك أول ثورة غيَّرت وجه العالم، إذ:
زادَ الإنتاج على نحو غير مسبوق؛
أصبح من السهل التنقل داخل فضاءات أوسع وفي زمن أقل؛
ظهرت التوسعات الاستعمارية الأوروبية، بسبب تفوق الصناعات العسكرية، والحاجة إلى أسواق جديدة؛
زادت وتيرة العولمة التي كانت قد انطلقت منذ عصر النهضة الأوروبية؛
وفي الثورة الصناعية الثانية، تمَّ اكتشاف النفط والكهرباء، واختراع السيارة، والطائرة، والمذياع، والتلفزة، وما إلى ذلك، فنشأت شبكات النقل الطرقي والملاحة الجوية والاتصالات السلكية واللاسلكية، مما مكن الإنتاج العالمي أن يتضاعف في مدة 50 عام بين 1820 و1870 ثم يتضاعف ثانية في مدة 40 عام بين 1870 و1910 بعد أن تطلب تضاعفه 120 عاما بين 1700 و 1820؛
وفي الثورة الحالية، ظهرت شبكة جديدة للاتصالات، هي الأنترنت، ويُنتظر استبدال الطاقة الأحفورية بموارد جديدة، كالرياح والماء والشمس، وما إلى ذلك. وتتميز الثورة الحالية بظهور «آلات عاقلة» وإنسان آلي يتم التحكُّم فيه بأوامر رقمية، وأجهزة حواسيب، وبرمجيات فائقة الدقة والتطور، مما سيؤدي، حسب ريفكين، إلى نهاية الشُّغل في العديد من المجالات، حسب ريفكين، يحمل عنوان «نهاية العمل»(2)، عالج فيه النهاية الحتمية لكثير من الوظائف الحالية، جراء زحف الحوسبة، وفي مقدمتها الزراعة والصناعة والخدمات.
ولتمكين الإنسان من مواكبة تطور هذه الآلات وتطور الذكاء الاصطناعي عامة يرى أنصار حركة ما يُسمى بالإنسانية العابرة transhumanisme ضرورة توسيع قدرات الإنسان الجسدية والعقلية، بتعديله بيولوجيا عبر توظيف ترسانة من العلوم يجمعونها في اصطلاح NBIC (المركب من الحروف الأولى لمصطلحات تكنولوجيا النانو، والتكنولوجيا، وعلوم الإعلام، ثم العلوم المعرفية بالفرنسية، والإنجليزية). فحسب تقديراتهم، بناء على قانون مور، في عام 2029 سوف يعادل الذكاء الاصطناعي ذكاء الإنسان، ثم ستواصلُ الآلة تطورها، ولذلك يتعين على الإنسان أن يستعد من الآن لمواجهة تلك اللحظة التي يدعونها بـ «التفردية»(3) في إشارة إلى صعوبة توقع ما سيحصل جراء هذا المستقبل.
لقد أدت الثورة الصناعية الأولى إلى نشأة حواضر كبرى، والانتقال من المجتمع الإقطاعي الزراعي إلى المجتمع الرأسمالي الصناعي، كما شكلت مسرحا لتجسيد أفكار الحداثة وقيمها التي رُفعت في عصر الأنوار، وكان لذلك تأثير كبير على الأدب والثقافة والفن والمجتمع. فنظرا لحاجة المصانع إلى مزيد من اليد العاملة، شهدت الأرياف نزوحا جماعيا إلى المدن، فحلت محل الإقطاعيات والمزارع الصغيرة كبريات الضيعات الفلاحية الممكننة. ولتوفير يد عاملة مؤهلة، تمَّ تعميم التعليم وإجباره على كافة الشرائح الاجتماعية. وبانتقال الفرد من البوادي إلى المدن، تحرر من سلطة الجماعة والروابط التقليدية، فظهرت مجموعة من السلوكات لمشاكل والأسئلة المستجدة.
وأدت الثورة الصناعية الثانية إلى ظهور فيزياء الكمِّ التي وضعت إحدى بُذور نقد الحداثة، ثم ساهمت الحربان العالميتان الأولى والثانية واكتشافات علمية أخرى في إنضاج تلك البذور في منتصف القرن الماضي، كما حدث في ظل الثورة نفسها أكبر حربين عرفهما الإنسان في تاريخه، وهما الحربان العالميتان الأولى والثانية، فترجمت مآسيهما مجموع الحركات الأدبية والفنية الطليعية للقرن الماضي. وفي ظل الثورة الرقمية، بدأت معالم الخرائط الاجتماعية والأدبية والفكرية والثقافية تتغير بالفعل، مع أنَّ هذه الثورة لا زالت في بداياتها، وقد تتواصل لبضعة عقود قبل تتبلور ملامح العالم الجديد الذي يتشكل في ظلها، لأنَّ تطور التكنولوجيا الرقمية يعرفُ تسارعا متواصلا، ولم يحقق استقراره بعد. ففي كل بضعة أشهر تظهر أجهزة جديدة، ونسخا مطوَّرة من الأجهزة الموجودة في السوق.
الرقمية باعتبارها ثالث نسق تقني يظهر في العصر الحديث:
يرى ستيفان فيال في كتابه «الكائن والشاشة. كيف تغير الرقمية إدراك العالم»(4) أنَّ «تاريخ التقنية ليسَ سوى تاريخ للثورات التقنية، وتاريخ الثورات التقنية ليس سوى تاريخ للأنساق التقنية»(5). ونكون إزاء نسق تقني جديد، حسب المؤلف، عندما يظهر جهاز أو أكثر في حقبة ما، فينتشر استعماله تدريجيا إلى أن يعم كافة المرافق، فينسحب النسق التقني القديم لفائدة الجديد. بناء على ذلك، يميزُ ستيفان فيال بين ثلاثة أنساق تقنية عرفها العصر الحديث:
– النسق سَاعِد-مُدوِّرة bielle-manivelle: تشكل في القرن الخامس عشر، بظهور التقنية الحاملة للاسم نفسه، والمتمثلة في أداتين هما: ساعدٌ متصل بمدورة في أقصاه. يقوم الساعدُ بحركة خطية متواصلة، فتفضي إلى دوران لا نهائي للمُدوِّرَة. وقد شكلت هذه الأداة الكائن الكلي لذلك النسق، إذ اكتسحت سائر المرافق، بما في ذلك المطبعة؛
– النسق الميكانيكي: ويشمل الثورتين الصناعيتين الأولى والثانية. في الأولى، مثلت الآلة البخارية الكائن الكلي، حيثُ استخدمت في سائر القطاعات (مطاحن، قطارات، مصانع، وما إلى ذلك)، وفي الثانية، مثلت السيارة الكائن الكلي، إذ حضرت في سائر الميادين؛
– أخيرا النسق الرقمي قيدَ التشكُّل: وهو يجتاز رابع محطة في حياته:
* ففي ستينيات القرن الماضي، انتشرت عملية حوسبة ضخمة للكثير من المرافق، كالفوتَرة، وتدبير المخزونات، وما إلى ذلك؛
* وفي سبعينيات القرن نفسه، تواصلت العملية بتطبيع قواعد البيانات وهندسة النظم المعلوماتية. وفي ثمانينياته، انتشرت الحواسيب الصغيرة والشبكات المحلية، مما شكل خطوة نحو دمقرطة المعلوماتية؛
* وفي تسعينيات القرن نفسه، تواصلت هذه الدمقرطة بإطلاق شبكة الأنترنت؛
* وفي العقد الأول من القرن الحالي، ظهر الويب 2.0، وشبكات التواصل الاجتماعي، وأجهزة رقمية محمولة، وكائنات متصلة بالشبكة، والطابعة ثلاثية الأبعاد، وكلها مستجدات تُعيد تنظيم الممارسات الاجتماعية(6). ويُعتبر الحاسوب الكائن الكلي للنسق الحالي، إذ هو بصدد غزو سائر القطاعات والمرافق.
وإذا كان الإنسان قد أوكلَ في النسقين الصناعي الأول والثاني عملَه البدني للآلة، فهو في النسق الرقمي بصدد إيكال نشاطه الذهني إلى الآلة، حيثُ أصبح الحاسوب يُنجزُ عددا من العمليات الذهنية التي كانت إلى وقت قريب حصرا على الدماغ البشري. فما من مكان يدخله الكمبيوتر إلا ويعصف فيه بكل شيء، مما جعل البعض يتوقع أن تختفي معظم المهن والوظائف الحالية في غضون العقدين المقلبين، بما فيها تلك التي تتطلب مجهودا عقليا على درجة عالية من التعقيد(7). في المقابل، يُتوقَّعُ أن تظهر مهنٌ أخرى عديدة قدرت بعض الدراسات أن 85% منها، مما سيظهر في عام 2030، لا يوجد في أيامنا هذه(8)، مما يؤكد توقع عالم الاقتصاد الأمريكي جيريمي ريفكن، في كتابه «نهاية العمل» المشار إليه أعلاه.
ومع أن النسق الرقمي يشكل محطة في مسيرة مَكننة machination العالم (بمعنى جعله آلة) التي انطلقت من الغرب منذ عصر النهضة، وذروة لهذه العملية، فقد لعب علم السيبرانية (أو السيبرنطيقا، أي علم التحكم في النظم الآلية) دورا حاسما في تسريع ظهور النسق الجديد. فعلى سبيل المثال، مما ورد في كلمة جورج بولانجيه رئيس الجمعية الدولية للسيبرانية أثناء افتتاح مؤتمرها الثالث في سنة1961 أنَّ:
«علم التحكم الآلي – وهذا هو السبب في وجوده – يُعنى بجمع المعلومات في مجال العقل بكامل الحرية. وهو يرغب في تحديد الذكاء وقياسه، كما سيسعى إلى شرح كيفية عمل الدماغ وصناعة آلات للتفكير. وسوف يُساعد عالمَ البيولوجيا، والطبيبَ، والمهندسَ، كما سيُصبحُ تابعا له كلٌّ من التربية، وعلم الاجتماع، وعلوم الاقتصاد، والقانون، والفلسفة، بل يُمكن القول إنَّ أي قطاع من النشاط البشري لن يستطيع البقاء غريبا تماما عن السيبرانية»(9).
الرقمية باعتبارها أحد الإبدالات الناشئة في ظل أزمة الحداثة:
كثيرا ما قيل إن الحداثة هي أفكار عصر الأنوار متمثلة في الإيمان بالعقل، والتخلي عن التقاليد، والاعتقاد بأنَّ التطور التقني المتواصل سوف يؤدي إلى تحرير الفرد والمجتمع، وتحقيق سعادة النوع البشري. وقد استندت تلك الأفكار إلى الإنجازات التي حققها العلم الحديث مع جاليلي وإسحاق نيوتن بالخصوص، كما على قواعد المنهج العقلاني الذي أرسى أسسه ديكارت، وعلى أفكار فلاسفة وموسوعيين، أمثال هوبس ومونتسكيو وجان جاك روسو وفولتير وهيغل وكانط وغيرهم.
ولكن، في مستهل القرن الماضي، وتحديدا مع ظهور فيزياء الكم وميكانيكا الجزيئات، تشكل وعيٌ بأنَّ الظواهر الطبيعية هي أكثر تعقيدا مما كان الاعتقاد سائدا من قبل، فتمَّ التشكيك في مفاهيم الحتمية والاستقرار والقدرة على التنبؤ، وظهرت مفاهيم، كالفوضى واللايقين والاحتمال. ثم أمام المآسي الناتجة عن الحربين الكونيتين، والتدمير الذي يُلحقه العلمُ بالطبيعة، اتضحَ أنَّ التقنية لم تحقق السعادة التي بشرت بها الأنوار. وعلى هذا الأساس، تمَّ توجيه انتقادات كثيرة للحداثة منذ منتصف القرن الماضي، مما أفضى إلى نشأة فكر ما بعد الحداثة الذي يناهضُ في المقام الأول فكرة المركز، ويستبدلها بأفكار الشبكة، والتشتت، والانفصال discontinuité، والتَّجَزُّء Fragmentation، وقابلية التقسيم إلى وحدات modularité. وبينما تؤكد الحداثة على فكرة ما هو عالمي، ترتكز ما بعد الحداثة على واقع شذري، وأرخبيلي، ومجزأ، زمنه الوحيد هو الحاضر، تُزاحُ فيه الذات نفسُها عن المركز وتكتشف الغيرية، وتشغرُ فيه الهوية – الجذرُ المُقصية للآخر المكانَ للهوية الجذرومية وللتهجين(10). وقد أفضت تلكَ الانتقادات إلى نشأة إبدالات جديدة، أهمها: الميثاق الطبيعي، والإنسانية العابرة، ومجتمع المعلومة والمعرفة، والإنسان باعتباره نوعا في صيرورة، وأخيرا صراع الحضارات(11). ومع أن الإبدال الإعلامي هو ما يهمنا حصرا في هذا السياق، لا بأس من عرض تعريف موجز بكل إبدال من الإبدال السابقة على أن نعود إلى الإبدال الذي يهمنا:
يُقصد بالإبدال الإعلامي paradigme informationnel، التكنولوجيات الرقمية والتأملات النظرية والتمثلات المنحدرة من السيبرانية ونظرية الإعلام؛ إذ هو:
«كل ما يمسُّ، من قريب أو من بعيد، تطبيقات المعلوماتية، والشبكات، وجميع التكنولوجيات الرقمية، وكذلك التأملات الفكرية في «ما هو افتراضي»، وصولا إلى مجتمع «الإعلام»، مرورا بالِّرهانات والقضايا التي ترتبط بالأنترنت، والتأملات حول دور التكنولوجيات الجديدة في العولمة. وباختصار، يُقصد به كل ما يحيل رأسا إلى السيبرانطية ونظرية «الإعلام»(12).
«يتشكل هذا الإبدال من عناصر متباينة في الظاهر، إذ يشمل، وفي آن واحد، معارف تقنية وعلمية، وفلسفية وأجهزة تقنية تبلورت في حضنها (يعتبر الحاسوب نموذجها الأولي المركزي)، وخطابات مُصاحبة، تعميمية وواصفة، كلها تأخذ شكل آراء وأدلة في صالح استعمال التكنولوجيات الجديدة، والأهمية المنهجية لمفهوم المعلومة، وتنمية نموذج مجتمعي جديد، هو مجتمع الإعلام، ثم مجتمع المعرفة»(13).
الثورة الرقمية إبدالٌ جديد من حيث أنها تغير تمثل الإنسان لنفسه وللعالمين الطبيعي والاجتماعي، وسلوكاته، وبذلك فهي تعتبر رابع ثورة عرفها العصر الحديث(14):
– فمع كوبرنيك (1473-1543م)، تمّ إزاحة الأرض، ومعها الإنسان، من مركز الكون، بعد أن ظل هذا الإنسان منذ القديم يتوهم أنَّ الأرضَ هي محور الكون، وكان ذلك منبع راحة وطمأنينة له ما دام الخالق قد وضعه في أفضل مكان. وبنسف كوبرنيك للنظام المتمركز حول الأرض، وبرهنته على أنَّ الشمس هي مركز نظامنا الشمسي، فقد اضطر الإنسان إلى إعادة النظر في إيمانه بمحوريته في كرة الأرض؛
– ومع داروين (1809-1882)، أزيحَ الإنسان من المركز البيولوجي، حيث أظهر (داروين) في كتابه «أصل الأنواع» أن جميع الأنواع تطورت من أسلاف واحدة، عن طريق الانتخاب الطبيعي، وبذلك لم يعد الإنسان يتربع على عرش البيولوجيا، ولم يعد أفضل المخلوقات ومحور المملكة الحيوانية كما كان يتوهم من قبل؛
– ومع فرويد (1856-1939)، سقط زعمُ امتلاك الإنسان للعقل، بعد أن ظل الاعتقاد سائدا منذ ديكارت بأنَّ مكانة الإنسان لا تُحدد بيولوجيا أو فلكيا، بل بقدرته على التفكير والتأمل، وأنَّه يملك القدرة على السيطرة على ذاته. بخلاف ذلك، أظهر فرويد، من خلال عمله في التحليل النفسي، أن القسط الأعظم من سلوكاتنا وتصرفاتنا ينبع من اللاشعور، «وأن العقل هو لا شعوري أيضا»(15).
– أخيرا، مع الرقمية، يجري حاليا إسقاط وهم الفردية والاستقلال لفائدة المعلومة والعلاقة، بحيثُ لم يعد يُنظرُ الإنسان باعتباره فردا مستقلا، بل بوصفه كائنا حيا معلوماتيا inforg يعيش في فضاء للمعلومة(16) info-sphère يسوده التشبيك بين الكائنات الحية المعلوماتية والآلات العاقلة والأشياء المادية التي تتحول إلى معلومات في عملية سحب كبيرة للواقع إلى العالم الافتراضي يتوقع أن تفضي، بظهور الويب 3 (أو أنترنت الأشياء)، إلى اختفاء التمييز بين ما نسميه اليوم بالاتصال on-line والانفصال off- line لفائدة اتصال دائم، ما يتيحُ قلب مقولة ديكارت «أنا أفكر، إذن أنا موجود» بمقولة «أنا متصل، إذن أنا موجود»، وهو ما يطرح أيضا السؤال: هل ستختفي ثنائية مادة-تقنية physis-teché لفائدة طبيعة اصطناعية كليا وإنسانا بيونيا bionique (بيولوجيا-إلكترونيا)؟
بموجب التمثل الجديد، لم يعد يُنظر إلى العالم باعتباره يتألف فقط من فضاءات أربعة، هي اليابسة، والغلاف الجوي، والماء، والحي، بل وكذلك من مجال خامس هو فضاء المعلومة(17). ينطبق ذلك على الكون عامة كما على البيئة التي يعيشُ فيها الإنسان. فعلى سبيل المثال، أصبح بالإمكان التمييز داخل المدن بين الفضاء المادي «الجامد» و«الفضاء المجرد، وهو فضاء الاتصالات وسيولة المعلومات وتدفقها»(18).
وتغير الرقمية تصور وجود الأشياء من حولنا من اعتبارها أشياء جامدة وغفلا إلى كونها تحمل معلومات وتتواصل وتتفاعل. في هذا الصدد، يقول ميشال سير:
«لا أعرفُ أي كائن حي لا يمكننا القول إنه يخزن معلومات، ويُعالجها، ويُرسلها، ويستقبلها. وبما أنَّ هذه الميزة الرباعية تبدو خاصية فريدة للكائن الحي، فقد نميل إلى تعريف الحياة بها. غير أن الأمثلة المضادة تتوفر بغزارة، بحيثُ لا أعرفُ أي شيء في العالم لا نستطيع أن نقول إنه يخزن معلومات، ويعالجها، ويرسلها، ويستقبلها. بالتالي، فهذه الخاصية الرباعية هي ميزة مشتركة بين جميع كائنات العالم، الحية والجامدة»(19).
تبدو «النظرة الإعلامية» للعالم، إن صحَّ التعبير، واضحة في هذه الفقرة التي تحمل بصمة سيبرانية تتجلى أكثر عندما يفصح الفيلسوف، مباشرة بعد ذلك، عن أنَّ الخاصية الرباعية السابقة هي «إحدى السمات المشتركة بين العلوم الإنسانية والعلوم الحقة». فقد «كانت السيبرانية منذ نشأتها رؤية جديدة للعالم يحكمها مفهوم محوري، هو المعلومة»(20)، كما كانت مشروعا لتوحيد المعرفة حول بضعة مفاهيم، كالأنتروبيا، والمعلومة، والمفعول الرجعي(21)، ومن ثمة جمعت سلسلة مؤتمراتها المنعقدة في نامور (1956-1967) وماسي (1942-1953) باحثين وعلماء من مختلف الحقول: البيولوجيا، والطب العقلي، وعلوم الأعصاب، وعلم النفس، والتحليل النفسي، وعلم الاجتماع، والأنثروبولوجيا، واللسانيات، والفيزياء، والرياضيات، وما إلى ذلك، بغاية إيجاد عدد قليل من المفاهيم القابلة للتطبيق على الظواهر الطبيعية والاجتماعية في آن واحد، أي في حقل العلوم الصلبة والعلوم الإنسانية، و كانت إرادةُ تطبيق مفاهيم السيبرانية ونظرية الإعلام على مجالات كعلم النفس، والأنثروبولوجيا، وعلم الاجتماع هي ما يجمع أولئك المؤتمرين(22).
بالموازاة مع ذلك، غيرت الرقمية علاقة النوع البشري بالزمان والمكان، فأصبح يتواصل لأول مرة في تاريخه بإشارات signaux ضوئية، إذ تكفي كبسة رز واحدة على لوحة المفاتيح لبعث رسالة نصية إلى أي جهة من المعمور، فتصل فورا إلى متلقيها، أما إذا توفر الجهاز على أحد برامج التواصل بالصوت والصورة، كاسكايبي أو غيره، فإنَّ الحوار يتم بين المتخاطبين بالصوت والصورة في وقت فوري. وكما يرى لوهيسك، «فالمعلوماتية، بزمنها الرقمي، تدشن في أيامنا هذه علاقة جديدة بالزمن بشكل ملحوظ في الحياة اليومية،… إنه الزمن الفوري (للأشياء) المباشرة؛ زمن ليس متجها من الماضي نحو المستقبل، فهو لم يعد يمثل أي شيء. إنه يطبع التزامن. وسواءٌ أشاء الإنسان المعاصر أم أبى، فهو مُلقى به في الزمن الآخر»(23)، كما لم يعد للشخصين المقيمين في المكان نفسه عنوان واحد، واختفى «المكان الإقليدي» لفائدة «مكان طوبوغرافي» أصبح فيه «الجميع جارا للجميع»(24). ويرى جيريمي ريفكين أن هذا التغيير الذي طال الزمان والمكان قد بدأ مع الثورة الصناعية الأولى، إذ يؤكد أنَّ المسافات الآخذة في التقلص وسَحْقَ الوقت هما نتيجة لتقاطع التقنيات المستخدمة للفحم والبخار مع الاتصالات التي أتاحتها المطبعة(25).
كما تغير مفهوم العلم، في ظل الإبدال الجديد، فلم يعد يُنظر إليه باعتباره منتج حقائق، وإنما منتج معلومات قابلة للرأسملة والمتاجرة. وإذا كان يقالُ إنَّ «الفنَّ قد ماتَ! في أزمة ما بعد الحداثة»، بحيثُ «كل ما يمكن القيام به هو عمليات استملاك تحت علامة إعادة الإبداع، وبالتالي لم يعد هناك مؤلفون، ولا نسخة أصلية للعمل، إذ كل ما هنالك هو عمليات مفتوحة، جماعية وحُرَّة»(26)، مما كان له صدى في بعض كبريات نظريات النقد الأدبي في النصف الثاني من القرن العشرين، كـ «التناص» عند كريستيفا و«موت المؤلف» لدى بارت وفوكو، فإنَّ «تكنولوجيات الإعلام والاتصال الجديدة تعدِّلُ عمليات الإنتاج، والإبداع وحركة الملكيات والخدمات في بداية القرن الحالي، من خلال عملية إعادة تشكيل جديدة للثقافة»(27).
الرقمية باعتبارها حاملا جديدا أو تقنية جديدة لتسجيل الذاكرة:
1.4 الكتابة (أو نشأة الحضارة):
رغم أنَّ النوع البشري قد تقدَّم على أقرب الرئيسيات إليه، وتجاوزها بسنوات ضوئية، فالعناصر التي كانت وراء هذا التطور قليلة جدا، بحيث قد لا تتجاوز أربعة(28)، من بينها الكتابة التي يعود اكتشافها إلى حوالي 3500 سنة. حسب النظرية السائدة(29)، ظهرت الكتابة في سومر، لأغراض زراعية وإدارية وتجارية وإدارية، وكلها حاجيات تولَّدت عن الثورة النيوليتية التي حدثت قبل حوالي 8000 سنة وانتقل الإنسان عبرها من حياة الترحال والقطاف والصيد إلى الاستقرار والزراعة وتربية المواشي.
استعمل السومريون اللوح الطيني والخط المسماري، واستخدم المصريون لفافة البردي والخط الهيروغليفي. وبمرور الوقت تطور الحاملان ونسقا الكتابة، فاتسع استعمالهما وأصبح يشمل مختلف جوانب الحياة الفكرية والاجتماعية، فحاول بعضهم تدوين كل معارف عصره وعلومه وآدابه وحفظها في مكان واحد، كبطليموس الذي أنشأ مكتبة الإسكندرية في مصر، وآشور بانيبال الذي جمع أكبر مكتبة في بلاد الرافدين. وإلى تلك الكتابات يعود الفضل ليس في كل ما نعرفه اليوم عن ثقافات تلك الشعوب والحضارات فحسب، بل وكذلك في إنشاء حضارتنا نفسها التي يعتبرها الفيلسوف ميشال سير «ابنة الكتابة». وإذا كان الشائع في أيامنا هذه أنَ الموسوعيين قد ظهروا في أوروبا خلال عصر الأنوار، بفضل المطبعة، فالبعضُ يرى أنَ أول مثقف موسوعي عرفه التاريخ هو آخر الملوك الآشوريين أشور بانيبال (القرن السابع قبل الميلاد)، لسعة اطلاعه ومساهمته شخصيا في نسخ العديد من الألواح، فضلا عن حرصه على تجميع كل ما كان مكتوبا في عصره(30)، من خلال مكتبته التي أنشأها لهذا الغرض خصيصا، وبلغ عدد ألواحها ما بين 25000 و30000 لوح.
وقد أدى اكتشاف الدفتر (أو الكودكس codex) في القرن الثاني قبل الميلاد، بسبب حاجة الديانة المسيحية إلى حامل عملي لنشر النص الديني الجديد، في وقت كفّ فيه المصريون عن تصدير ورق البردي ليؤمنوا حاجياتهم منه لبناء مكتبة الإسكندرية(31)، إلى اتساع دائرة الكتاب والقراء مقارنة بالمرحلة السابقة، إذ قدر عدد المجلدات في بداية هذه المكتبة بحوالي 400000 بردية، وارتفع إلى 700000 أيام حُكم يوليوس قيصر(32). ثم تواصل في الحقب الموالية، بحيثُ بلغ عدد المجلدات في بعض خزائن العصر العباسي أيام المأمون 000 100 مجلدا، ويوم سقوط بغداد في يد هولاكو (656هـ) وأمر بحرق الكتب وإلقائها في نهر دجلة، شكل ما ألقي في النهر جسرا أمكن الناس أن يعبروا عليه رجالا وركباناً(33).
مع الدفتر، لم تعد ذاكرة الأحياء هي وعاء تخزين الثقافة ونقلها، بل «أصبح الكتاب هو حامل المعرفة. الكتاب الفريد القابل للشرح والتأويل إلى ما لا نهاية، المتعالي، المشتمل على كل شيء: الإنجيل، والقرآن، والنصوص المقدسة، والكلاسيكيات، وكونفوشيوس، وأرسطو…، وصار الشارح هو مالك المعرفة والمتحكم فيها»(34)، كما دشن الكودكس ما يسميه البعض «حضارة الكتاب». لكن مع الدفتر، شهدت الثقافة البشرية أيضا ميلاد كبار الشخصيات التي كان لها تأثير قوي في مجرى التاريخ والحضارة، كموسى، وعيسى، ومحمد، وأفلاطون، وأرسطو، وابن خلدون، وغيرهم، والذين لا نتردد في إدراجهم ضمن المثقفين بالمعنى الحديث للكلمة.
والخلاصة أنَّه باكتشاف الكتابة، اتسع نطاق النصوص المحفوظة، ونشأ ما يمكن تسميته بـ «منطق الجمع والتدوين»، وأتيح للكثيرين أن يصلوا إلى الميراث الثقافي بعد أن كان بلوغه محصورا في دائرة الحفظة والرواة من قبل. كما أفضت الكتابة إلى ظهور الترجمة، وفتح جسور بين الحضارات والثقافات، وأدخلت البشرية فيما يسميه الفيلسوف بيتر سلوتردايك – في كتابه «قواعد للحديقة البشرية»(35) – بـ «عصر المراسلات l’âge épistolaire»، حيث أصبحت النصوص المكتوبة بمثابة رسائل يتبادلها الأدباء والمفكرون بصرف النظر عن أزمنة وجودهم وأمكنته. وسنرى أنَّ الحامل الرقمي بصدد سحب المنطق الآنف لآخر جديد من سماته الأساسية السيولة والتدفق.
2.4. المطبعة (أو الحجر الأساس للحداثة):
يرى الكثيرون أن اختراع المطبعة في منتصف القرن الخامس عشر الميلادي يمثل ثاني أكبر حدث في تاريخ الثقافة البشرية، بعد اكتشاف الكتابة، نظرا لتأثير هذا الاختراع الكبير على البشرية جمعاء طيلة القرون الخمسة الماضية، ومن ثمة تسميتهم هذه الحقبة بـ «عصر جتنبرغ». فبفضل الحروف المتحركة أصبح بالإمكان إصدار أعداد كبيرة من النص الواحد بسرعة كبيرة، وبنسخ متطابقة كليا، بخلاف النسخ اليدوي الذي كان يستغرق وقتا طويلا، إذ قفز عدد الصفحات المكتوبة يوميا من أربع صفحات إلى 1600، بمعنى أن عمل الآلة فاق عمل الناسخ اليدوي بـ 400 مرة(36).
وبذلك خرج الكتاب من حيز الممتلك الثمين، وأصبح في متناول الحشود، فتضاعف عدد المتعلمين والكتاب والقراء، وظهر ما يسميه بعض مؤرخي الكتاب بـ «سُعار القراءة» الذي ترجمَته أعداد الكتب المطبوعة. فعلى سبيل المثال، صدرت مؤلفات مارتن لوثر في مدة 30 عاما، أي منذ ثورته إلى وفاته (1517-1546م)، في 3700 طبعة(37)، وصدر لإراسموس (1469 –1517م) Erasme خلال حياته ستون طبعة من كتابه «أقوال مأثورة»، وأربعون طبعة من كتابه الثناء على الطيش «Éloge de la folie(38)، كما «عُرض نحو 15 مليون كتاب في الأسواق على مدى أربعين عاما، ما بين السنوات 1400 و1500»(39)، وبلغت عدد طبعات حكم إراسموس Erasme التي جمَّعت أمثالا مشروحة 160 طبعة بين عامي 1500 و1560(40)، مما فسح المجال لظهور الفكر النقدي الذي أفضى بدوره إلى حركة الأنوار التي تشكل عتبة الدخول إلى الحداثة. من هذه الزاوية، لا يتردد بعض مؤرخي الكتاب في تأكيد أن المطبعة شكَّلت وبالا على الكنيسة وملوك أوروبا(41).
في ظل الاختراع الجديد، نشأت أنواع خطابية جديدة (قصة، رواية)، ومنشورات جديدة (صحف، مجلات، دوريات)، وظهر المؤلف بمفهومه الحديث والملكية الفكرية، وشهدت صناعة الكتاب ظهور سلسة وسطاء بين المؤلف والقارئ (لجان قراءة، دور نشر، نقاد، موزعون، مكتبات)، وأصبح المثقفون لأول مرة في التاريخ فئة معتبرة العدد في المجتمع مقارنة بالحقب السابقة التي كانت لا تمثل هذه الشريحة فيها سوى نخبة صغيرة. كما أنَّ قيمَ الكرامة، والحرية، والعدالة الاجتماعية، وظهورَ الدولة الحديثة، والحكمَ القائم على العقد الاجتماعي بدل التمثيل الإلهي، وصياغة ما يُسمى بـ «السرديات الكبرى»، وتَشَكُّلَ الذات الحديثة، باعتبارها تفردا وعمقا وحرية ونقدا، وما إلى ذلك، كله كان من نتائج المطبعة.
3.4. الرقمية (أو انتصار العقل الحسابي): نحو عالم آلي متدفق سَائِل:
ترمِّزُ الرقمية سائر أنواع النصوص (خط، صورة، صوت)، عبر ما يسمى بالنظام الثنائي 0 و1، بحيث يأخذ النص المرقمنُ شكل سلسلة من هذين العددين، وبذلك تتيح التقنية الجديدة تخزين كم هائل من النصوص في حيز مكاني صغير جدا (قرص صلب، قرص مُدمَج)، لكونها تفصل النص عن حامله، وتحوله إلى كائن مجرَّد immatériel، مما يسمحُ باستنساخه إلى ما لا نهاية، بكيفية يختفي فيها الفرق بين الأصل والنسخة. وبما أن كلفة العملية منخفضة عن النشر الورقي بما لا مجال للمقارنة بين الاثنين، فقد بدأ الحديث يتردد عن الخروج من عصر جتنبرغ(42)، وعن النهاية الوشيكة للنشر الورقي(43). والعنصر المركزي في هذه العملية هو الحاسوب، إذ بدونه لا يمكن ترميز النصوص ولا عرضها على الشاشة أو سحبها على الطابعة.
الحاسـوب وسيط مُركَّبٌ:
يقوم الكمبيوتر بأربع وظائف، هي: مُعالجة البيانات (بما في ذلك الكتابة والقراءة)، والتخزين، والبث، ثم الاستقبال.
الحاسوب جهاز للكتابة:
بانتشار الحاسوب الشخصي وشبكة الأنترنت، أصبح كل من يملك جهازا متصلا بالشبكة يتوفر نظريا على ما يُعادل مطبعة ودار نشر وتوزيع، تغطي أرجاء الأرض الأربعة، على مدار الساعة، الشيء الذي مكَّنَ الجميع من تخطي حلقات النشر التقليدي التي كانت تقصي الكثيرين عدلا أو ظُلما، وأغرقَ الفضاء الافتراضي بطوفان من الكتابات التي يُجاورُ فيها الغثُّ السمينَ، وطرحَ بالتالي مشكلة المصفاة بكيفية غير مسبوقة في تاريخ الكتابة.
في مارس 2016، تداولت منابر إعلامية عديدة نبأ مفاده أن فريقا من الباحثين اليابانيين برمجَ جهاز كمبيوتر ليكتب رواية تتوفر فيها عناصر الكتابة الروائية، كالشخصيات والحبكة، فألف الجهازُ نصا بعنوان «يوم سيكتب الحاسوب رواية»، ونجحت هذه الرواية في اجتياز التصفيات الأولى للفوز بإحدى كبريات الجوائز الأدبية اليابانية(44)، ما جعل البعض يتساءل مستغربا: «ماذا بقي للبشر؟ فبعد أن هزمهم الذكاء الاصطناعي في لعبة الشطرنج، ثم في لعبة Go مؤخرا، هل يسلبنا الإبداع الأدبي؟»(45). ومنذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي، استطاع الحاسوبُ، بفضل برامج معلوماتية صُمِّمَتْ خصيصا للكتابة، أن يكتب نصوصا في كافة أجناس الخطاب، بغزارة تفوق قدرات الإنسان(46)، فشكَّكَ جان بيير بالب، وهو أحد كبار مصممي هذا النوع من البرامج بفرنسا، ليس في مفهوم المؤلف والنبوغ الأدبي المفترض الذي يُبررُ منحَ الكُتاب وضعا اعتباريا متميز داخل المجتمع فحسب، بل وشكَّكَ أيضا في جدوى الكِتَاب والمكتبة(47). ولا يخفى أنَّ هذا النوع من الكتابة يمثلُ أحد الشواهد العديدة على شروع الإنسان حاليا في إيكال عمله الذهني للآلة بعد أن أوكل إليها عمله الجسدي في النسق التقني، ما قد يسمحُ بتسمية الثورة التقنية التي نعيشها الآن رقمنة (الفكر)، على نموذج مَيْكَنَة mécanisation (الجسد) التي ميزت الثورتين الصناعيتين الأولى والثانية»(48).
الحاسوب جهاز للقراءة:
تعددت أشكال القراءة بالكمبيوتر، بحيثُ أصبحت خطية، وتشعبية، ومدعومة. هكذا، بخلاف النص الخطي (أو السطري) الذي تفكَّكُ رموزه بطريقة متعاقبة، أي متسلسلة، من البداية إلى النهاية، كما كان عليه الأمرُ في الحامل الورقي، تُكسَّر خطية النص بتجزيئه إلى مجموعة كبيرة من الكتل، تتخلل كل واحدة منها روابط، يفضي النقر على أحدها، أثناء القراءة، إلى ظهور صفحة/شاشة جديدة، قد تكون داخل النص نفسه، فنكون إزاء نص تشعبي في «مدار مغلق»، وقد توجد في موقع آخر بالشبكة، فنكون أمام نص تشعبي في «مدار مفتوح». وتجعل هذه التقنية لعرض البيانات القراءة شذرية (أو مقطعية)، ونوعا من التقليب Zapping أو التجوال، وتؤدي إلى إعادة النظر في مفاهيم كـ «المؤلف» و«القراءة» و«النص»، ما دام القارئ يُصبحُ، من خلال اختياره لمسلك للقراءة، هو كاتبُ ما يقرأ، فيصير النص مقولة نظرية أكثر منه مادة مكتملة، واحتمالا أكثر مما هو يقينا، كما تُجازفُ التقنية نفسها بقطع رابط الوفاء بين القارئ والمؤلف. فنظرا لكثرة النصوص المتاحة، لم يعد معظم القراء يقرؤون النصوص كاملة، لاسيما عندما تكون طويلة، فتتحول القراءة إلى نوع من التنقل المستمر الذي يعتبره البعض أداة جديدة للمعرفة:
«ليس الويب خزانة، كما أنه ليس متلق سلبي للمعلومات، بل هو مكان، وأرض، وقارة، لكي يحيا المرء فيها ويكون فعالا يجب عليه أن يقفز من مكان إلى آخر ومن حدث لآخر، أن يتحرك، ويبحر في امتدادها المستمر، ويقبض هنا وهناك على قطع من المعلومات (…) ولضرورة الحركة هذه تأثير عميق على الاستعمال والسطحية وتطور البنية الجديدة لامتلاك المعارف بما أنها ترغم على التزحلق، وتدفع إلى التنقل المستمر، وتجعل من الترحال البنية الأولى لامتلاك المعارف»(49).
أما القراءة المدعومة بالحاسوب، فتتمثل في توفر القارئ على مجموعة من الأدوات، كالبحث في صفحة النص، وفي شبكة الأنترنت، واستشارة المعجم، والترجمة، وما إلى ذلك، ومن ثمة، فهي تحوِّل كل قارئ في الشبكة إلى «سايبورغ»، أي إلى كائن مجهز بأطراف اصطناعية تكسبه قدرات تفوق طاقته البيولوجية. غير أنَّ دعم الحاسوب للقراءة يتجاوز ذلك إلى إنجاز مهام أكثر عُمقا وتعقيدا، كالتحليل المعجمي، والتركيبي، والدلالي، وتأويل عدد ضخم من النصوص، بواسطة برامج معلوماتية متخصصة. وبتشكُّل ما يسميه البعضُ بـ «الهرمنيوطيقا الرقمية»(50)، تُجازف الآلة بمنافسة الناقد الأدبي وتجريده من امتيازاته(51)، وهنا نجد أنفسنا مجددا أمام أحد مظاهر إيكال العمل الذهني والفكري للآلة في ظل النسق الرقمي الناشئ.
الحاسوب جهاز للتخزين:
تتيح الرقمية تخزين عدد هائل من البيانات في حوامل تزداد مساحتها صغرا وطاقتها التخزينية كبرا يوما عن يوم. فعلى سبيل المثال، تبلغ السعة التخزينية لبعض أجيال الكتاب الرقمي اليوم 000 500 ألف كتاب، وهو ما لن يستطيع المرء قراءته ولو كرَّسَ حياته بكاملها لذلك(52). وبهذه القدرة التجميعية الهائلة، يتحقق حلم إنشاء مكتبة كونية الذي راود قدماء سبق ذكرُ بعضهم، ومحدثين، منهم أدباء كبورخيس (أقصوصة «مكتبة بابل»)، وعلماء كفانيفار بوش (مشروع «الميميكس Memex»)، وتيد نلسون (مشروع زانَدو Xanadu»)(53). وبالنقل المنهجي الجاري اليوم لما ظل محفوظا في الورق والأشرطة الممغنطة وسائر الحوامل السابقة، وبالإنتاج الغزير للمعلومات، بلغ ما يُحفظ في الحوامل الرقمية أرقاما أكثر من خيالية، إذ:
«يقول لنا اختصاصيو المعلوماتية إنه منذ اختراع الكتابة، حوالي 3500 سنة قبل الميلاد إلى عام 2000، أي على امتداد 5500 عام، أنتجت البشرية في كوكب الأرض 5 هيكسابايت، أي 5000000000 (= 5 مليار) جيغابايت. لكن من عام 2000 إلى 2012، تم إنتاج 5 هيكسابايت في كل يومين، ومنذ 2013 إلى أيامنا هذه يتم إنتاج 5 هيكسابيايت في كل عشر دقائق»(54).
لقد أفقدَ هذا الكم الهائل من البيانات التي تدوَّنُ على مدار الثواني والدقائق التسجيلَ قيمتَه وفرضَ الانتقال من منطق التخزين إلى منطق السيولة والتدفق الذي يرى البعضُ أنه يندرج في عملية أوسع وأشمل، هي حركة «تسييل العالم fluidification du monde» (أي جعله سائلا) التي انطلقت، في رأيه، منذ عصر النهضة الأوروبية، وترمي إلى تذويب كل ما هو مادي وصلب في حركة من التنقلات داخل شبكة كبرى تجرف المدن والاقتصاد، بل وحتى الإنسان نفسه(55). وإذا كان هذا التجميع لسائر أنواع المستندات والبيانات في الشبكة قد جعل إحاطة الإنسان بالمعرفة مستحيلة، وإلى الأبد(56)، فمن جراحي أعصاب الدماغ الفرنسيين من يقول بقدرة الأطباء على زرع شريحة بحجم حبة الأرز في رأس الإنسان يخزن فيها كم هائل من البيانات، وأنَّ العقبة الوحيدة أمام الجراحين اليوم هي مجرد عدم معرفة كيفية وصل هذه الشريحة مع خلايا الدماغ(57)، وقد أكد بعض أطر شركة غوغل التي تعتبر أحد داعمي نزعة الإنسانية العابرة أنَّ العمل جار على قدم وساق في بعض مختبرات الشركة لتحقيق أكثر من هذه الفكرة، حيثُ قال إنَّ هذه المختبرات تسعى إلى زرع محرك غوغل نفسه في دماغ الإنسان نفسه على شكل شريحة إلكترونية(58).
الحاسوب جهاز للبث والاستقبال:
يرسل الحاسوبُ سائر أنواع الملفات ويتلقاها من أي بقعة من العالم إلى أي نقطة أخرى متصلة بالشبكة، وبذلك «ترسي الديناميتان الجديدتان، التقنية والاجتماعية، للثقافة الشبكية جدَّة، بل جذرية، تتمثل في بنية وسائطية غير مسبوقة في تاريخ البشرية، حيث لأول مرة، يمكن لأي كان، مبدئيا، أن يُرسلَ ويستقبل معلومات في وقت حقيقي، بمختلف الأشكال والوسائط الرقمية، إلى أي مكان آخر من كوكب الأرض»(59)..
وعبر برامج معلوماتية، يمكن إحداث بث مباشر سمعي أو سمعي بصري، ممَّا جعل إمكانية إنشاء محطة للبث الإذاعي والتلفزي شيئا متاحا للجميع. وبالوظيفتين السابقتين، يكون الحاسوب بصدد تعميم ودمقرطة ما ظل حكرا على المطبعة ودور النشر والتوزيع ووسائل الإعلام من صحافة وإذاعة وتلفزة، إذ «تُظهرُ مختلف التظاهرات السوسيوثقافية المعاصرة أنَّ ما هو على المحك، مع إسراف المعلومات وتفشي تدفقها، هو إمكانية التعبير التي فتحتْها وسائل الإعلام أمام الأصوات المقموعة »(60).
والخلاصة أنّ الرقمية بصدد إلحاق تغييرات عميقة بوعي الإنسان، وبطريقة تفكيره، وإدراكه لنفسه وللآخرين، وعلاقاته بنفسه وبباقي أفراد المجتمع. فباعتبارها نسقا تقنيا ثالثا، هي بصدد تغير شكل حضور الإنسان في العالم، وبوصفها إبدالا فكريا جديدا، فهي تغير تمثله لنفسه وللمجتمع وللعالم من حوله، وباعتبارها تقنية للتسجيل، فهي تمثل ثورة في العقل. وبوصفها ثورة صناعية ثالثة، فمن المتوقع أن تغير الوعي الإنساني كما سبق أن غيرته الثورتان الصناعيان الأولى والثانية، ذلك أنَّ:
«طريقة تفكير المتخصص المُدُني في هذه الأيام تختلف كثيرا عن طريقة تفكير المزارعين الريفيين في القرن الخامس عشر، أو طريقة تفكير الصياد جامع الثمار قبل عشرين ألف سنة. فتحدث تغييرات كبيرة في الوعي الإنساني عند ظهور أنظمة طاقة أكثر تطورا، الأمر الذي يسمح بتفاعل أكبر وأكثر تعقيدا فيما بين النظم الاجتماعية (…) أما عندما تتقاطع أنظمة الطاقة مع ثورات الاتصالات، فلابد أن يتغير معها الوعي الإنساني»(61).
فهل تنجزُ الثورة الرقمية في العالم العربي ما لم تُنجزه الحداثة، إذ يكثر الحديث عن أنَّ إقبال العرب على استهلاك منتجات الحداثة المادية لا يوازيه قبولٌ للعقل الذي كان وراء تلك الابتكارات؟
(1) جيريمي ريفكين، الثورة الصناعية الثالثة. كيف تغير الثورة الموازية الطاقة والاقتصاد والعالم، ترجمة سعيد الحسنية، بيروت، الدار العربية للعلوم ناشرون، الطبيعة الأولى 2012، ص. 143.
(2) العنوان الأصلي بالإنجليزية:
The End of Work, The Decline of the Global Labor Force and the Dawn of the Post-Market Era Paperback, 1996 (350p.).
https://monoskop.org/images/1/1f/Rifkin_Jeremy_The_End_of_Work.pdf
وصدر بالعربية في ترجمتين: إحداهما كاملة (عن الإنجليزية):، جيرمي ريفكن، نهاية عهد الوظيفة: انحسار قوة العمل العالمية وبزوغ حقبة ما بعد السوق، أبوظبي، مركز الإمارات والدراسات للبحوث الإسترايجية، 2000:
http://dar.bibalex.org/webpages/mainpage.jsf?PID=DAF-Job:130577&q=
وأخرى غير كاملة (عن الترجمة الفرنسية): جيرمي ريفكن، نهاية العمل. مأزق الرأسمالية (الكتاب الأول)، ترجمة: أ. د. رجب بودبوس، طرابلس، قصر الثقافة/ أكاديمية الفكر الجماهيري، الطبعة الأولى 2005 (293 ص.):
http://archive.org/details/lamushe_gmail_20161009_2216
(3) التفردية singularité: اصطلاح مأخوذ من الفيزياء الحديثة، حيثُ يُشار به إلى العجز عن التنبؤ بسلوك المادة عندما تكون قريبة من «الثقب الأسود». أما «الثقب الأسود»، فهو اصطلاحٌ يشار به إلى مناطق في الفضاء تكون في كل واحدة منها الجاذبيةُ من القوة والكثافة بحيث لا يفلت أي شيء يقترب منها من الوقوع فيها بما في ذلك الضوء، وأيا كان الشيء الذي يبتلعه ثقب أسود (نجم، ضوء) يُجهلُ مصيره، إذ لا تسعف قوانين الفيزياء الحالية في تحقيق تلك المعرفة. من سيل الدراسات المتوفرة في موضوع بلوغ تطور الذكاء الاصطناعي لحظة التفردية، يمكن الرجوع إلى:
– Virnor Vinge, «La singularité», traduit de l’Anglai par Emmanuel Mie, Département des Sciences Mathématiques San Diego State University, 1993 , Les confins:
http://www.lesconfins.com/SINGULARITE..pdf
– Marina Maestrutti, «La singularité technologique: un chemin vers le posthumain?», croire-et-vivre.fr, :
http://www.croire-et-vivre.fr/annexe/214_Singularite-technologique_chemin-posthumain.pdf
أو ترجمته:
– مارينا مايستروتي: «هل التفردية التكنولوجية طريق إلى ما بعد الإنسان؟»، ترجمة: م. أسليـم:
http://www.aslim.ma/site/articles.php?action=view&id=229
– Virnor Vinge, «La singularité», traduit de l’Anglai par Emmanuel Mie, Département des Sciences Mathématiques San Diego State University, 1993 , Les confins:
http://www.lesconfins.com/SINGULARITE..pdf
(4) هذا الكتاب في الأصل أطروحة لنيل الدكتوراه في الفلسفة من جامعة باريس ديكارت، تحت عنوان «بنية الثورة الرقمية. فلسفة التقنية»، متوفرة بنصها الكامل بالرابط:
https://halshs.archives-ouvertes.fr/tel-00776032/document
ثم أصدرها لاحقا بالعنوان الآنف:
– Stéphane Vial, L’être et l’écran. Comment le numérique change la perception du monde, Paris, P.U.F., 2013.
(5) نفسـه، ص. 68.
(6) نفسـه، ص. 88-89.
(7) Bernard Stiegler, «La société automatique», Conférence donnée à L’INRIA, date de publication sur youtube le 15 septembre 2015 :
(8) Luc Lenoir, «Une étude affirme que 85% des emplois de 2030 n’existent pas aujourd’hui», Lefigaro, 17/07/2017 mis à jour le 18/08/2018 :
http://www.lefigaro.fr/conjoncture/2017/07/17/20002-20170717ARTFIG00212-une-etude-affirme-que-85-des-emplois-de-2030-n-existent-pas-aujourd-hui.php
(9) نقلا عن:
– Céline Lafontaine, Cybernétique et sciences humaines : aux origines d’une représentation informationnelle du sujet, Thèse de doctorat, Département de sociologie Université de Montréal, et Département des sciences sociales, Université Paris I Panthéon-Sorbonne, 2001, p. 56 :
http://www.collectionscanada.gc.ca/obj/s4/f2/dsk3/ftp04/NQ62093.pdf
(10) يُنظر في هذا الصدد، على سبيل المثال:
– Ludovic VIEVARD, «La crise de la modernité et l’émergence de nouveaux paradigmes», Millénaire 3, 30/01/2010 :
http://www.millenaire3.com/ressources/la-crise-de-la-modernite-et-l-emergence-de-nouveaux-paradigmes
– Marc Gontard, «Le postmodernisme en France : définition, critères, périodisation», Imag Refer :
http://www.limag.refer.org/Cours/Documents/GontardPostmod.htm
(11) من أجل عرض مفصَّل لهذه الإبدالات، يُنظر:
– Ludovic VIEVARD, «La crise de la modernité et l’émergence de nouveaux paradigmes», op.cit.
(12) نفسـه.
(13) Philippe breton, «La ‘’société de la connaissance’’: généalogie d’une double réduction», Education et Société, n° 15, 2005, pp. 45-57 :
http://www.cairn.info/revue-education-et-societes-2005-1-page-45.htm
(14) Luciano Floridi, «La révolution numérique considérée comme une quatrième révolution», traduit de l’anglais par Patrick Peccatte, Les humains associés, 3 novembre 2009 :
http://www.humains-associes.org/blog/2009/11/03/4erevolution/
(15) لوتشيانو فلوريدي، الثورة الرابعة. كيف يعيد الغلاف المعلوماتي تشكيل الواقع الإنساني، ترجمة: لؤي عبد المجيد السيد، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الكويت، سلسلة عالم المعرفة، العدد 452، سبتمبر 2017، ص. 122.
(16) نفســه.
(17) Luciano Floridi , La révolution numérique comme une quatrième révolution, op.cit.
(18) Ludovic VIEVARD, «La crise de la modernité et l’émergence de nouveaux paradigmes», op.cit.
(19) Michel Serres, «Les nouvelles technologies: révolution culturelle et cognitive», Conférence donnée lors du 40è anniversaire de l’INRIA, Lille, les 10 et 11 décembre, 2007 :
ويمكن قراءة نص المحاضرة بتحميل تفريغها من الرابط:
http://www.ac-grenoble.fr/ien.bourgoinashnord/IMG/pdf_Texte_de_la_conference.pdf
(20) Maxime Coulombe, Faire du corps une image. Pour une iconographie épistémique de l’art posthumain, Thèse de Doctorat, Département d’histoire, Faculté des Lettres, Université Laval Québec et Département de sociologie, Faculté des Sciences Sociales, Université Marc Bloch, Strasbourg France, 2006, p. 153.
(21) Céline Lafontaine, Cybernétique et sciences humaines…, op.cit., p.51.
(22) Céline Lafontaine, Cybernétique et sciences humaines, op.cit., p. 103.
(23)Paul Rasse, «Anthropologie de la communication et diversité des cultures», Museum Agropolis :
http://www.museum.agropolis.fr/pages/savoirs/dilutionculturelle/anthropo.pdf
(24) Michel Serres, Les nouvelles technologies…», op. cit.
(25) جيريمي ريفكين، الثورة الصناعية الثالثة…، مرجع سابق، ص. 143.
(26) André Lemos, Les trois lois de la cyberculture…, op.cit.
(27) نفسـه.
(28) باقي العناصر هي:
– المشي على القدمين: بفضله تحررت اليد، فتفرغت لابتكار التقنية والحضارة؛
– اكتشاف النار (منذ حوالي 000 500 سنة):، جراء أكل الطعام المطبوخ الضغط على الصدغين والجمجمة، مما أتاح للدماغ بأن يكبر داخل حيز أوسع ؛
– تحول جيني (أخذ شكله النهائي منذ حوالي 000 200 إلى 000 150 سنة): بفضله ولجَ الإنسان عالم التواصل بالكلام المنطوق؛
(29) يطرحُ ؟هارالد هارمان في كتابه «التاريخ العالمي للكتابة»، رأيا مخالفا، مفاده أنَّ الكتابة ظهرت أوّلا في أوروبا القديمة منذ حوالي 5300 إلى 3500 قبل الميلاد، ومنها انتقلت إلى الشرق لتتطور في سومر. يُنظر:
– Haarald Haarmann, Historia universal de la escritura, trad. Jorge Bergua, Madrid, edetorial Hredos, 2001, pp. 74-86.
(30) Bnf, «Assurbanipal, 668-627 av. J. C: Le premier des encyclopédistes», Tous les savoirs du monde (dossier pédagogique de la bnf) :
http://classes.bnf.fr/dossitsm/b-assurb.htm#Citations
(31) Laurent Jenny, «Histoire de la lecture», Département de Français – Université de Genève, 2003 :
http://www.unige.ch/lettres/framo/enseignements/methodes/hlecture/hlintegr.html#hl012100
(32) https://fr.wikipedia.org/wiki/Bibliothèque_d’27Alexandrie
(33) مكتبات بغداد العامة في العصر العباسي:
http://shabak.yahooboard.net/t306-topic
(34) Pierre Lévy, Essai sur la cyberculture: L’univers sans totalité. Rapport au conseil de l’Europe, version provisoire», archives.strategie.gouv.fr :
http://archives.strategie.gouv.fr/cas/system/files/essai_sur_la_cyberculture.pdf
(35) Peter Sloterdijk , Règles pour le parc humain. Une lettre en réponse à la Lettre sur l’Humanisme de Heidegger, traduit de l’allemand par Olivier Mannoni, Paris, Éditions Mille et Une nuits, «La petite collection », 2000, (64 p.).
(36) Marie-Hélène Tesnière, «En bref, le livre manuscrit», in L’aventure du livre (les dossiers de la bnf) :
(37) Jean Guillemain, Le livre à la Renaissance», in L’aventure du livre, op.cit.
(38) وِلْ ديورات، قصة الحضارة، الإصلاح الديني، ترجمة: الدكتور عبد الحميد يونس، بيروت-تونس، دار الفكر، بيروت-تونس، 1988، ج. 23، ص. 181، وص. 189.
(39) مارتان، هنري، جون، نشأة الطباعة في الغرب، تاريخ الكتابة، من التعبير التصويري إلى الوسائط المتعددة، ترجمة: إسحاق عبيد، مكتبة الإسكندرية، الإسكندرية، 2005، ص. 357. نقلا عن: د. إيمان يونس، تأثير الأنترنت على أشكال الإبداع والتلقي في الأدب العربي الحديث، الطبعة الأولى، 2011، ص. 7.
(40) Jean Guillemin, «Le livre à la renaissance», in L’aventure du livre, op.cit.
(41) Laurent Jenny, «Histoire de la lecture», Dpt de Français moderne – Université de Genève, 2003 :
http://www.unige.ch/lettres/framo/enseignements/methodes/hlecture/hlintegr.html
(42) “L’adieu à Gutenberg?”. Enjeux et défis culturels du 21ième siècle, Colloque international au Palais du Luxembourg, salle Clemenceau, , Paris, 21 Janvier 2000 :
http://www.culture.gouv.fr/culture/actualites/celebrations2000/gutenberg.htm
(43) الرأي لـ Dick Brass مسؤول قطاع النشر بشركة ميكروسوفت، انظر:
– Jean Clément, Le «e-book »,est-il encore un livre? L’expression «livre numérique » a-t-elle un sens? Le livre traditionnel a-t-il encore un avenir ?:
http://www.cndp.fr/archivage/valid/14336/14336-2425-2553.pdf
(44) Tech, «Une intelligence artificielle gagne presque un concours littéraire», Futura Sciences, 29/03/2016 :
http://www.futura-sciences.com/tech/actualites/technologie-intelligence-artificielle-gagne-presque-concours-litteraire-62205/
(45) Pierre Fontaine, «Japon: une intelligence artificielle a écrit un roman pour concourir à un prix littéraire», Hightech.bfmtv, le 26/03/2016 :
http://hightech.bfmtv.com/logiciel/japon-une-intelligence-artificielle-a-ecrit-un-roman-pour-concourir-a-un-prix-litteraire-962186.html
(46) Jean Clément, «La littérature au risque du numérique», Document numérique, Volume X – n° X/2001, pp. 1-22:
http://hypermedia.univ-paris8.fr/jean/articles/docnum.pdf
(47) Jean-Pierre BALPE, Pour une littérature informatique: un manifeste…, avril 1994, chatonsky:
http://chatonsky.net/files/pdf/jean-pierre-balpe/jpb_manifeste.pdf
(48) Stéphane Vial, L’être et l’écran…, op.cit., p. 87.
(49) Olivier Dyens, «Le web et l’émergence d’une nouvelle structure de connaissances», in Actes du Colloque Les défis de la publication sur le web: hyperlectures, cybertextes et méta-éditions:
http://www.interdisciplines.org/defispublicationweb/papers/11/language/fr
(50) Damon Mayaffre, «L’Herméneutique numérique», L’Astrolabe. Recherche littéraire et informatique, 2002, pp.1-11 :
http://halshs.archives-ouvertes.fr/hal-00586512
(51) ?????????
(52) Thierry Karsenti, «25 principaux avantages du livre numérique», Karsenti.Ca:
http://karsenti.ca/25ebook.pdf
(53) Memex اسم أطلقه فانيفار بوش في مقالته «As We May Think» (1945) على جهاز متعدد الوسائط يمكنه تخزين جميع المعارف التي أنتجتها البشرية، وذلك لتمكين كل المتخصصين من تتبع تطورات حقولهم، على إثر فوران الإنتاج العلمي والمعرفي، بيد أن تقنيات ذلك الوقت لم تتح إخراج تلك الآلة إلى حيز الوجود. أما Xanadu، فمشروع تصوره تيد نلسون لإنشاء مكتبة كونية تشتمل على جميع الآداب العالمية بواسطة روابط تشعبية، تستشار في الشبكة، وتتيح للمستخدم إمكانية إغناء تلك الوثائق عبر تنزيلها وتذييلها بملاحظات وإدراج وصلات تشعبية، وهذا المشروع بدوره لم يتحقق. بيد أن ثمة من يرى أن الأنترنت الحالي هو تجسيد نسبي لذلك المشروع.
(54) Dr. Pierre-Marie Lledo, «Le cerveau adulte: un chantier perpétuel !», in Actes du Colloque La prodigieuse évolution du cerveau : de l’émergence de la pensée conceptuelle à l’intelligence artificielle, Collège des Bernardins, Paris, Vendredi 11 octobre 2013, pp.23-36 :
http://www.institut-vivant.org/wp-content/uploads/2013/isv-conference-11-octobre-2013.pdf
(55) Laurent Henninger, «Vers la fluidification du monde», Conférence donnée au Cercle Aristote le 27 juin 2016:
(56) Pierre Lévy, Essai sur la cyberculture…, op.cit.
(57) Cécile Denjean, «Un humain presque parfait», Documentaire réalisé pour Infrarouge et France 2, 2010 :
https://www.youtube.com/watch?v=yiMHz1_ZZSk
(58) نفسـه.
(59) André Lemos, «Les trois lois de la cyberculture : libération de l’émission, principe en réseau et reconfiguration culturelle», article présenté au séminaire «Sentidos e processos», Exposition «Cinético Digital», Centro Itaú Cultural., Août, São Paulo, 2005 :
http://www.facom.ufba.br/ciberpesquisa/andrelemos/remixfr.pdf
(60) نفسـه.
(61) جيريمي ريفكين، الثورة الصناعية الثالثة…، مرجع سابق، ص. 298.