ينقسم النص الحالي إلى قسمين:
الأولُ عبارة عن تحليل للتطور للتكنولوجي لجسدنا الذي سيؤدي في «محطة ختامية» إلى خلق أسطورة السايبورغ المعاصرة. والسايبورغ هو كائن نصفه إنساني ونصفه آلي. وهدف هذه الأسطورة المعلن هو توقع تجاوز الإنسانية إلى ما بعدها والتخلص من القيود المادية والمعنوية التي تحكم مجتمعاتنا.
أما القسم الثاني، فهو عرض مقال مؤسِّس، ونعني به «بيان السايبورغ» لضونا هاراواي الذي يضخ بعدا نقديا في أسطورة السايبورغ ويعيد تحيين الأطروحات النسوية. «الخيال والسخرية» عندها وسيلتان لتجاوز إطار النقاشات النظرية الكلاسيكية حول ما بعد الإنسانية التكنولوجية ومجموعة تعديلاتها الجسدية الحقيقية أو المتخيَّلة من أجل الوصول إلى إعادة قراءة مثمرة لهذه الأسطورة. وبذلك فبيان السايبورغ هو أيضا، في المقام الأول، استعارة لتطورنا التكنولوجي الممكن تشتملُ على قدر كبير من الشعر والطوباوية الخيالية العلمية[2].
يشكل الجسد اليوم موضوع تفكير يحظى بتغطية إعلامية قوية جدا، بحيث يمكن القول إنه صار «موضة»، من خلالها يتم التعبير عن مشاعر متناقضة، إذ يحظى مظهر الجسد الخارجي باهتمام نرجسي خاص فيبدو الغلاف اللحمي أحيانا «آلة مُكتملة» بينما، في أحيان أخرى، يبدو أنَّ الجسد نفسه لا زال هشا للغاية، مريضا أو غير مكتمل. ويؤدي هذا التصور الثاني بأتباع (التعديلات الجسدية) والفنانين السيبرانيين، وممثلي «فن الجسد body-art» وبعض الباحثين إلى إرادة «تغيير الجسد»[3].
يرغب الجميع في تحويل الجسد بطرق عديدة، متذرعين أحيانا بوُجوب التخلي عن الوعي الإنساني في يوم من الأيام[4] ليستعيد مكانته الرمزية ببساطة داخل الجسم الاجتماعي في ضوء تقدم عصرنا التكنولوجي. والشيء المؤكَّد الوحيد هو أن رؤيتنا للجسد قد تغيرت جذريا مع الزحف القوي للعلم والتكنولوجيا على بيئتنا. لا شكَّ وعيَ ما بعد مواليد الخيال العلمي الذين تتم تغذيتهم على طريقة الخيال العلمي يتصَوَّرُ تخطي مرحلة زمنية جديدة ويتنبأ بأن تطورنا باعتبارنا نوعا يجب أن يمر حتما بالمستقبل التكنولوجي للجسد.
تعمل الآلة الآن مثل أيقونة ثقافية، ويذهب باحثون مثل هانس مورافيك[5] وفنانون مثل ستيلارك[6] أو كتاب الخيال العلمي إلى حد القول بأنَّ اندماجها مع الإنسانية أمرٌ وشيكٌ، بل ومرغوب بسبب زوال الجسد الإنساني، في رأيهم، في بيئة تكنولوجية على نحو متزايد. وبفضل تطورات الهندسة الوراثية والتكنولوجيا البيولوجية والمعلوماتية يكتشف الكائن البشري إمكانيات جديدة.
تدفع التكنولوجيا حدود الجسد المادي خارج غلافه التشريحي. حتى الآن، كان يمكن مقارنة الجسد البشري بجزيرة يحيط بها غلاف من اللحم، والإحساسات البشرية تقتصر على حواس خمس لضمان اتصال مادي مباشر مع العالم المحيط، وكانت كل علاقة بهذا الأخير تتحدَّد بمسلمة: «أنا وحدي في جسدي واللحمُ هو واجهة التواصل الوحيدة التي تتيح لي أن أتواصل مع الخارج». والاتصالاتُ الكثيرة التي يُشكل الجسد موضوعا لها اليوم (خاصة من خلال شبكة الإنترنت وأدوات الاتصالات الجديدة، مثل الحاسوب والهاتف المحمولين وجهاز نظام التموقع العالمي GPS، وما إلى ذلك)، تجعلُ من الجسد طرفية لإدخال التدفق المعلوماتي وإخراجه. وعن طريق الاتصال اليومي بالآلة، يكتسب الجسد ميزات ربما لم يكن قادرا على تطويرها وحده، يمكن تحديدها على النحو التالي:
– إدماج هويات متعددة (هويات افتراضية أو «فصام مدعوم بالحاسوب» بالكيفية التي يمارسها بها المشاركون في الألعاب داخل الشبكة أو ساحات النقاش في شبكة الأنترنت) و/أو إدماج عناصر ميكانيكية في الجسد الإنساني أو الحيواني (الأطراف الاصطناعية، زراعات وظيفية بدءا من الرقاقات العابرة للجلد، حيثُ «نُظم التحديد بدون تماس» تسخّرُ حاليا لوضع علامات على الحيوانات أو الأشجار، وما إلى ذلك[7]؛
– الحضور عن بعد والتعدُّد عبر شبكة معلوماتية عالمية[8]؛
– تمديد معدل الحياة والحفاظ على الشباب واللياقة البدنية بالكيمياء والعقاقير الصيدلية؛
– تعديل النمو البيولوجي واشتغاله باستخدام التكنولوجيا البيولوجية والهندسة الوراثية؛
– القدرة على خلق أشكال جديدة من الحياة الاصطناعية وأنواع عابرة للجينات (أو معدَّلة وراثيا)، وذلك باستخدام الهندسة الجزيئية.
تفتحُ هذه الميزات الناتجة عن تحالف الجسد مع التكنولوجيا الذي أصبح ممكنا أخيرا، بفضل التطورات التي حققتها العلوم البيولوجية نتيجة التصغير والرقمنة والحوسبة، تفتحُ تلك الميزات جسد الإنسان على مجموعة من الممكنات ظل استكشافها لحد اليوم مقصورا على الخيال العلمي. وبذلك أتاح المزج بين الجسد والتكنولوجيا تطوير نموذج ما بعد إنساني، أو «سايبورغ» هو تجميع مركَّبُ من الجسم الحي والآلة. «والسايبورغُ كائنٌ حي سيبراني هجين من الآلة والكائن الحي، مخلوق من الواقع الاجتماعي ومخلوقُ متخيَّلٍ» (التعريف الذي تقترحه ضونا هاراوي في بيان السايبورغ).
ولد مفهوم السايبروغ، هذا الاصطلاح المفتاح للمتخيل المعاصر، في ستينيات القرن الماضي في أذهان الباحثين الأميركيين بوكالة ناسا الذين أرادوا تسريع عملية استعمار مختلف كواكب مجموعتنا الشمسية. وقد كان هذا المفهوم – في غاية الجدية – يشير إلى جميع أنواع التجارب التي تشمل إجراء تعديلات مختلفة على الجسد عن طريق التكنولوجيا الميكانيكية (أذرع زائدة، هياكل خارجية[9]، بذلة تتحدُ بلابسها بحيثُ يصيران جسما واحدا[10]، وما إلى ذلك)، والأدوية (مزيلات القلق، المنشطات والمُهلوسات) والمعلوماتية.
لذا، فالسايبورغ هو الإنسان «المُضَخَّم» ذو الجسد المعدَّل تكنولوجيا، القادر بيولوجيا ونفسيا على عبور فضاءات لانهائية بين النجوم وإنشاء مستعمرات المستقبل. هو أيضا وبالخصوص النموذج الأولي للمقاتل المثالي. كيان مُذَكرٌ خالص، ومجسِّد لجميع القيم الذكورية والبطولية للمنافسة: قانون الأقوى، الفحولة المفرطة، والإنسان الآلة الذي لا يكلّ، ولا يصيبه الإنهاك، والكفء والفاتح والغازي[11]. وترى كلوديا سبرينغر (ناقدة نسوية من الثقافة الشبكية) أنَّ السايبورغ كائنٌ يعبر مجازا عن «الحنين إلى زمن كان التفوق الذكوري فيه أمرا طبيعيا»[12].
لم يكن في الإمكان صياغة فكرة السايبورغ، أو اتحاد التقني والعضوي، من دون خلق وسيلة جديدة لـ «فك شفرة العالم»، وهي السيبرانية التي نشأت من مؤتمرات ماسي[13] التي جمعت باحثين من تخصصات عدة في نهاية أربعينيات القرن الماضي، بمبادرة من عالم الرياضيات نوربرت وينر. و«تعرف (السيبرانية) العالم الذي نعيش فيه بأنه حقل واسع من المعلومات»[14]، ويرى وينر أنَّ الإنسانية كانت تستعد لدخول عصر الاتصالات الذي يلي منطقيا العصر الصناعي مع ظهور أول آلة لمعالجة البيانات الضخمة: وهو الحاسوب. وقد روَّج وينر نفسه، في نصه المؤسِّس الصادر عام 1948، السابقةَ «cyber» (التي ابتكرها الفيزيائي والرياضي الفرنسي أمبير Ampère في عام 1834). وقد انتشر المفهوم بالتَّوسُّع في العالم، منذ تصغير الأجهزة المعلوماتية وإنشاء شبكة الإنترنت ونشرها على النطاق العالمي[15]، فأدى إلى ظهور حشد من الكلمات الجديدة. فبالإضافة إلى «السايبورغ» («السيبراني/العضوي»)، نعرف جميعا مصطلح «الفضاء السيبراني (أو الشبكي) cyberespace» الذي ابتكره الكاتب وليام جيبسون[16] ليشير به إلى مشهد افتراضي يعمل كشبكة طرق سريعة تتدفق فيها المعلومات بين قواعد بيانات ضخمة، ثم ظهر منطقيا اصطلاح «المُبحر السيبراني cybernaute» (الذي يُبحر في الفضاء الشبكي)، وما إلى ذلك. كما ظهر مفهوم «التصعلك الشبكي cyberpunk» لأول مرة في عام 1980، ونشره على نطاق واسع في عام 1984 الناقد غاردنر دوزوا Gardner Dozois حول روايات الخيال العلمي العنيفة، وذلك باستخدام التكنولوجيا عالية التقنية. وفي كل هذه الأبعاد «للواقع السيبراني»، تجعل الآفاق المفتوحة أمام الإنسانية من الجسد موضوعا مركزيا للثقافة السيبرانية. والتعارض بين الجسد الثقيل قليل التكيف وبطيء التطور والفضاء السيبراني أو هذا المكان الافتراضي حيثُ تكون جميع التكنولوجيات متاحة ويكون الجسد مُجرَّدا، ذلك التعارض هو أحد الثنائيات الأساسية للتمرد السيبراني.
علاوة على ذلك، فقد تراجعت أسطورة السايبورغ قياسا إلى تصورها في ستينيات القرن الماضي، كما لم تسلم من الانتقادات استعارة جندي المستقبل مفتول العضلات. يرى عالم الاقتصاد جيريمي ريفكين، على سبيل المثال، أنه ليس من باب الصدفة أن «يظهر مفهوم السايبورغ في الولايات المتحدة بوصفها البلد السباق في مجال البحوث المعلوماتية وعبادة الجسد»[17]. ومُتخيَّل السايبورغ هو نسخة مختصرة من المتخيل الأمريكي المهووس بعبادة الإنجاز، بطبيعة الحال، ولكنه أيضا نتاج مشاركة مانوية للعالم بين الطيبين والخبيثين، بين الخير والشر. بهذه الطريقة، يندرج السايبورغ في أوهام الأبطال الخارقين (موضوع متواتر في الرسوم المتحركة والرسوم الكرتونية الأمريكية) التي تلتزم من أجل ما فيه خير للولايات المتحدة الأمريكية، وأخيرا لما فيه خير للبشرية جمعاء، وفقا للبلاغة الأمريكية[18]. ونكاد نقول إنَّ موجة التكنولوجيا والموجة الفسيولوجية تنطلقان من الحاجة نفسها: نفاذ صبر التحول، والحاجة إلى التطور وتغيير النظام البيئي، وغزو فضاءات جديدة، باختصار كل ما يمثل عبادة التقدم ويمسك بأوامر تشريح يرمي إلى تحقيق الكمال. إيديولوجياً، يعرضُ السايبورغ، في تناغم مع بلده الأصلي، الجسدَ بمثابة شعار للرأسمالية المطلقة، ويدفع حدودها بدون توقف ويربحُ القوة والطاقة باستمرار. لم تولِّد هذه الطوباوية في أي مكان حماسا مماثلا لما ولدته في الولايات المتحدة الأمريكية حيثُ الإطار المرجعي التكنولوجي هو السمة الدائمة المميزة للحياة اليومية. يرى جيريمي ريفكين أنَّ «هذا الإطار للحياة قد شارك في سجن أجيال متعاقبة داخل رؤية للعالم تمجد ثقافة الآلات وتنسب طبيعة حية لكل ما هو حي وجزء من العالم العضوي»[19].
بيان السايبورغ لضونا هاراواي
في هذا السياق، أصبحت ضونا هاراواي، وهي أنثروبولوجية وعالمة اجتماع وناقدة، شخصية رئيسية في النظريات النسوية السيبرانية، بعرضها لأفكارها بشأن مستقبل الإنسانية في مجال العالم المشبع بالتكنولوجيا، وذلك بوضعها لأسس فكر سياسي ساخر ومفارق لـ «مصيرنا السايبورغي»، بعد انغماسها منذ وقت مبكر في عالم العلوم والتكنولوجيا المتقدمة جدا. تقترحُ هاراوي، في بيانها المعنون بـ «بيان السايبورغ: العلم والتكنولوجيا والاشتراكية النسوية في أواخر القرن العشرين»، مقاربة جديدة لطبيعة الآلات لا تحاول فيها استمالة القارئ أو فرض وجهة نظرها عليه، بل تسعى إلى تحسيسه بإلإمكانيات التطورية الواردة في المصير – السايبورغ.
في هذا النص، تفكر ضونا هاراوي في مفهوم السايبورغ من وجهة نظر سياسية وإبستيمولوجية في آن، فتجعل منه أداة نظرية تتيح لها ليس تعزيز المنطق الاجتماعي القائم، بل على العكس تسمح باقتراح تمييز جديد للأدوار يتجاوز حواجز التمييز على أساس الجنس والعنصرية والصراع الطبقي. كما أنّ هاراواي لا تفكر في إمكانيات تعديل الجسد الواردة في مفهوم السايبورغ إطلاقا من أجل زيادة أداء هذا الجسد وكفاءاته. ومع ذلك، وكما يكتب مارك دري المراقب النبيه للثقافة السيبرانية، «فسايبورغ هاراوي هو رمز حي لاختلاف (جنسي، وعرقي وغيره) يرفض أن يتحلَّلَ أو يُكبَت في القادم كله»[20]. وبالفعل، فهاراوي من خلال استخدامها للتكنولوجيا وسيلة للقضاء على الاضطهاد الأبوي التقليدي تقترح قراءة تقدمية لأسطورة السايبورغ، إذ كتبت في المقدمة:
«ستسعى هذه المقالة جاهدة لبناء أسطورة سياسية وساخرة أمينة للنزعة النسوية، والاشتراكية والنزعة المادية، (…)، في الاتجاه الذي يمكن فيه للتجديف أن يكون وفيا (…) يطلب التجديف دائما أخذ الأمور على محمل الكثير من الجد. أنا لا أعرف أفضل موقف يجب اتخاذه في صميم التقاليد العلمانية والدينية للولايات المتحدة».
ترى هاراوي أنَّ السايبورغ لا يختَزَلُ في الصورة الذكورية الرُّجولية اليهودية المسيحية التي تعرضها وسائل الإعلام وأفلام هوليوود، بل هو أيضا، وبالخصوص، شعار مستقبل مفتوح على أشكال من الغموض والاختلاف، من خلال انصهار العضوي والميكانيكي، الطبيعة والثقافة، في الجسد الواحد.
داخل إرادة إنتاج طوباوية تتيح التنقل داخل حقل من الممكنات، بدلا من تأكيد تعزيز النظام القائم تستخدم هاراوي صورة كائن حي هجين بين الإنسان والآلة رمزا لاستعارة قوية: «في نهاية القرن XX كلنا أوهامٌ وهجينو آلات مصمَّمة ومُصنَّعة. بعبارة واحدة، نحن سايبورغات». علاوة على ذلك، تلاحظ:
«إذا كان الخيال العلمي مليء بالسايبورغات، فالطب الحديث بدوره مليء بالسايبورغات وبالجمع بين الكائنات الهجينة والآلات التي تمَّ تصميم كل واحدة منها باعتبارها جهازا مشفَّرا ومفصولا عن قيود الجنسانية».
كما تفسر العلاقة التقليدية بين الإنسان والآلة باعتبارها حرب حُدُودٍ تفصل أيضا بين الرجال والنساء: يجب التحكم في الآلات تماما مثل النساء. فالأنوثة خارج نطاق كل سيطرة تُخيف العالم الأبوي القديم تماما مثلما يُثيرُ القلقَ تنامي قدرة الآلات «الذكية»[21]. على سبيل المثال، في فيلم الحاضرة Métroplolis لفريتز لانغ (1927)، تظهرُ «المرأة-الآلة» شيطانية وفاجرة وخارقة القوة، ومن ثمة لابد من تدميرها لتحرير «المرأة الحقيقية» («العذراء، والأم، والفاضلة»، أي الآمنة وفقا لمعايير مجتمعاتنا الأبوية). ومع اعتراف هاراوي بالأصل العسكري والذكوري أساسا للتكنولوجيا (المعلوماتية بالخصوص) فهي تتحدث عن اللذة التي يتم الحصول عليها بإتقان هذه التكنولوجيا، وبالتالي، ترفضُ، من خلال عملها، الصورة النمطية للنساء التي تجعل منهنَّ قريباتٍ بالطبيعة من «أمّنا الأرض»، بعيداتٍ عن عالم الآلة، وتنصبُ حاجزا بين النساء واستخدام التكنولوجيا. تقترح هاراوي وجهة نظر جديدة يمكن للمرأة فيها أن تستخدم التكنولوجيا دون أن تمسَّ بأنوثتها (معارضة الكليشيه الذي يريد لكل ما يتعلق بالتقنية أن يكون «قضية الرجل»)، وترى أنه لا يجب على النسوية أن تعزِّزَ بالخصوص الترويج لـ «ميتافيزيقا مناهضة للعلم ومُشيطنة للتكنولوجيا»، كما ترى أنَّ التطور العلمي الحالي للبشرية سيُفضي إلى فقداننا السيطرة على مجتمعنا.
علاوة على ذلك، تسخر ضونا هارواي من مفهوم «الطبيعة»، إذ ترى أنه لم يعد له وجود على الإطلاق في القرن XX، بل ومنذ أن شرع الإنسانُ في زراعة الأرض واستخدام الأدوات والسفر عبر جميع أنحاء العالم. ولذا، لا خشية من اقتران الجسد (الطبيعي المفترض) بالآلة (المنحدرة من التطورات التكنوثقافية) مادام السايبورغ – في رأيها – هجينٌ مما هو منطقي في حد ذاته: ففكرة «الطبيعة» هي سرابٌ رجعي للمدافعين عن سراب جنة مُفترضة مفقودة:
«يتخطى السايبروغ مرحلة الوحدة الأصلية، مرحلة التماهي مع الطبيعة بالمعنى الغربي. هذا هو وعده اللاشرعي الذي يمكن أن يؤدي إلى التدمير والاضطرابات والاحتجاج والتمرد والثورة».
تشير (ضونا هارواي) في دراستها إلى إمكانيات حقيقية لعمل نسوي نقدي وإبداعي في مجال تكنولوجيات المعرفة والبيولوجيا:
«لقد تمَّ تشييد علوم الاتصالات والبيولوجيا الحديثة بحافز مشترك يتمثل في كون ترجمة العالم هي مشكلة ترميز، من جهة، والبحث عن لغة مشتركة تختفي فيها كل مقاومة للمراقبة والتحكم وإخضاع كل عدم تجانس للتفكيك، وإعادة التجميع، والاستثمار، والتبادل».
ثم، تأخذ مثال الكتابة والمعنى واللغة:
«الكتابة هي أولا وقبل كل شيء تكنولوجيا للسايبورغ. وسياسة السايبورغ هي الكفاح من أجل اللغة والكفاح ضد التواصل الكامل، وضد الرمز الواحد الذي يجب أن يترجم بالضبط كل معنى تحت عقيدة مركزية القضيب».
وتمضي ضونا إلى حد ابتكار اصطلاح غير قابل للترجمة هو «نزعة قضيب اللوغوس المركزية phallogo-centrism» للتعبير بشكل أفضل عن التحكم «القضيب-قراطي» الممارَس على اللوغوس (المعنى) في مجتمعنا. وفي مجال الحركة النسوية، تقترحُ استعادة امتلاك النساء للتكنولوجيا على نحو يتيح لهنّ أخيرا أن يُمسكنَ بزمام الأدوات التكنوثقافية المعاصرة ويُشجعهنَّ، من ثمة، على البحث والتعليم وإنشاء مشاريع اجتماعية جديدة، وما إلى ذلك، وهي أعمالٌ لن تعيقها إطلاقا حواجز العرق أو الجنس أو العمر.
وترى هاراوي أنَّ السايبورغ يمضي إلى ما هو أبعد من التحولات البيوآلية الناتجة عن الاتصال جسد-آلة، إذ تستعمل صورة السايبورغ لما تحتويه من ممكنات، وتستخدمها لعرض رؤية للعالم القادم بفضلها سيُمكن تحطيم كل مَحَاور النظام القائم وسائر الحدود التي فرضتها الهيمنة الذكورية على الجسد والعقل. فالسايبروغ لا يعرضُ نفسَه فقط باعتباره جسدا مُعدَّلا يُعاد ابتكاره باستمرار، بل ويظهر أيضا بمثابة مادة لإعادة كتابة نص جميع الأجساد الخاضعة للهيمنة والمتعرضة للاستغلال والتطبيع.
ولهذا الصراع النظري نتيجة هي إعادة النظر في النظام الرمزي الذي يجسده السايبورغ، ذلك أنَّ «الثقافة الأبوية» – كما يُلاحظ مارك ديري Mark Dery في فصله المعنون بـ «الجسد السياسي باعتباره سايبورغا»:
«تم تطبيق التكنولوجيا بانتظام على جسد المرأة لخدمة الاستيهامات الذكورية: تمَّ إنتاج مِشَدّ الصَّدر نُهُود الروايات العاطفية البارزة والمستديرة، ولو أنَّ ذلك يؤدي إلى عرقلة عملية التنفس ويعيق الحركة ويزعزع الأعضاء الداخلية. والأثواب المبطنة ترفع العجيزات وتُكبِّرها، مُنتجة وضعة جسد «أنثى حيوان ساخنة»[22].
أوهامٌ تجسَّدَت بالتأكيد في مفهوم «الجنس السيبراني» – أو الجنس المدعوم بالحاسوب[23]. وقد سبق أن تساءلَ عالم الاجتماع الأمريكي شارل ماك لوهان، منذ عام 1951، عن «أحد أكثر جوانب عالمنا الغريب، وهو الانصهار الاستيهامي للجسد في التكنولوجيا»[24].
نرى، من ثمة، عودة ظهور رغبة الشريك المكبوتة المصَمَّمة فقط للمتعة، بشكل عصري ومتحرِّك هو هيئة دمية قابلة للنفخ أو إنسان آلي يمارس الجنس – في فيلم بلوند رونر[25] Blade Runner، تُقابلُ شخصية «بريس»، وهي النسخة أو المرأة الروبوت، الفكرةَ التي يحملها الذكر الغربي عن الكمال الأنثوي. هذه الرؤية لإنسانيةٍ «خارجة عن كل قيد عضوي»، متجنبة مزالق النوم، متخلصة من التعب ومن الحاجة للأكل، ومطيعة خالقها طاعة عمياء، تلك الفكرة تنتشر عادة في البيئة المغلقة لهواة ألعاب الفيديو والمعلوماتية (المهووسون[26] nerds ou geeks). ويؤدي هذا الانصهار للخيال والواقع إلى خلق استيهامات مُجَسَّمَة هي كائنات رشيقة كأنها عارضات أزياء ثلاثية الأبعاد مخلوقة افتراضيا وذات تشكيل يتصف بالكمال. مخلوقات جميلة باردة مدعومة بالحاسوب، ذات وجوه وسيقان وقامات ونهود خضعت لروتوشات، يتم إنتاجها بسلسلات، قابلة للتبديل، وتقدم باعتبارها رموزا للجمال المعاصر. ليست هذه الصور الذكورية النموذجية سوى مرآة (وهم خطير) لشرائع عصرنا الجمالية ولحاجة الجنس الذكر الغربي النموذجية إلى سيطرة توافق رغباته واستيهاماته الأشد حميمية. ويُبالغ في استعمال هذه العملية في مجال الإشهار والمجلات النسائية وحتى في المجلات الإباحية[27].
ويتضح هذا الشغف لتحقيق الكمال بشكل جيد في كتاب «الجمال الديجتالي» ليوليوس فييدمان[28]، وهو إنجيل حقيقي لعالم مصممي العوالم الافتراضية، إذ يَعرض عددا كبيرا من الفنانين الذين يستعملون جميع البرامج المعلوماتية المتخصصة في الرتوش الرقمي (فوتوشوب، مايا، وما إلى ذلك). ويعطي فكرة جيدة عن الرؤية التي يحملها مجتمعنا (وجميع البلدان) عن الأنوثة.
في كتاب أسطورة الجمال: كيفية استخدام صور من الجمال ضد المرأة[29]، تأخذ نايومي وولف من جانبها النموذج الأنثوي غير قابل للتحقيق الذي تقترحه صناعة مستحضرات التجميل والأزياء، والذي تترجمه المرأة المعاصرة بالألم، وفقدان الشهية، والحميات الغذائية القاسية، والجراحات التجميلية المتكررة، وما إلى ذلك. واليوم، بعد مُرور أكثر من ثلاثين عاما عن رؤى ماكلوهان التحذيرية تجدُ موضوعات إضفاء طابع الإباحية على التكنولوجيا، والجنس المدعوم بالآلات، وممارسة الجنس مع التكنولوجيا والرغبات اللَّحمية التي لا جسَدَ لها، تجدُ نفسها مقترنة في جميع الفلسفات المرتبطة بعالم السيبرانية وراسخة بعمق في الثقافة السيبرانية تحت اسم «الجنس السيبراني (أو الشبكي)».
وتبلغ استيهامات الجنس الآلي والآلات الجنسية ذروتها في فيلم بريت ليونارد Brett Leonard راعي البقر (رجل تهذيب الحشائش) (1984) Coboy، على سبيل المثال، حيث البطل وعشيقته ملفوفان في معدات الواقع الافتراضي (قفازات تعمل باللمس، خوذة، ثياب مجهَّزة بمعدات استشعار)، يمارسان جماعا افتراضيا. في عالم الفضاء السيبراني الأثيري، تظهر كمخلوقات ملساء وفضية تنصهر وجوهها ثم تنفصل في وحدة صوفية تذيبُ وحدة الجسد. ويعتَبرُ فيلم فيديودروم Vidéodrome ليدفيد كروننبرغ David Cronenberg مثالا آخر لهذا الافتتان بالانصهار الإيروتيكي بين الإنسان والآلة الذي يتحدث عنه مارشال ماكلوهان. وفيديو دروم، هذا، هو كائن طائر غير مُحَدَّد الهوية (OVNI) حقيقي (1974)، وواحدٌ من الأعمال التي لا تنسى والمثيرة للقلق، ولا تزال فكرتُه الرئيسية بلا شك راهنة (استيلاء الافتراضي على الواقعي وتحوُّلات اللحم الحقيقية أو المتخيلة الناتجة عنه). والعلاقات شبه الجنسية التي يقيمها ماكس رين بطل الرواية الرئيسي مع لقطات تلفازه هي تحذير ٌ من الانغماس في الواقع الافتراضي على نحو ما يفعل اليوم آلاف مستخدمي شبكة الإنترنت. هذا الموضوع هو ما يتناوله أيضا مُخرج فيلم[30]eXistenZ ((1999، حيث تُوصَلُ «عصا التحكم» التي اخترعها كروننبرغ بنوع من الإست الاصطناعي المرتبط بالجسد عن طريق الحبل السري وينتقل اللاعب إلى قلب عالم افتراضي أكثر حقيقة من العالم الطبيعي.
من خلال تطوير صورة جديدة للجسد، تؤثر آفاق السايبورغ بالضرورة على النشاط الجنسي بما أنها تخلق تفاعلات جديدة مع الخارج، إذ تمر الأحاسيس بين حواجز الجسد البشري لتصبح لا نهائية تقريبا، وبذلك يُمكن لزوجين أن يمارسا الجنسَ وهما منفصلين عن بعضيهما بآلاف الكيلومترات[31]. ومع ذلك، ليست القضايا المرتبطة بالجنس السيبراني، شأنها شأن قضايا الجسد والتكنولوجيا عموما، مُجرَّد حكايات نادرة بل إنها تَطرحُ مسألة «مصير النوع البشري»، ومكانة الجنسانية وآثارها على صعيد الهوية في هذا المستقبل. يرى الفنان السيبراني سطيلارك أنه:
«لم يعد هناك مجال على الإطلاق لإدامة النوع البشري من خلال التوالد، بل يدوم هذا النوع من خلال رفع العلاقات الجنسية بفضل الواجهة إنسان – آلة. عفا الزَّمن على الجسد، فنحنُ بلغنا ذروة الفلسفة وعلم وظائف الأعضاء، والعقل البشري كما نعرفه صار ينتمي إلى الماضي»[32].
وتكمل هاراوي:
«لا ينفصلُ الإنجابُ السايبورغي عن الإنجاب العضوي. يحل الانتاج العصري محلَّ الإنجاب ويبدو مماثلا لأحلام عمل استعمار السايبورغ. حلمٌ يجعل كابوس التايلورية كاملا ومثاليا».
من أجل نسوية جديدة سيبرانيـة
ترى هاراوي أنَّه، بالنظر إلى التغييرات الجذرية التي تُلحقها التكنولوجيا بأجسادنا وبمجتمعنا، يجب على المرأة أن تكون قادرة على اغتنام هذه الفرصة الفريدة لإنهاء النظام الأبوي، وذلك باستخدام الغموض المفهومي المعاصر الذي ينخر الثنائيات الغربية التقليدية. تغامر هاراوي بولوج مناطق ظلت لحد الآن غير ممسوسة، إذ تقترحُ اندماجا جريئا بين الثقافة السيبرانية والعلوم والتكنولوجيا والفكر الجامعي (وخاصة منه النظريات ما بعد البنيوية ومدارس النظريات الأدبية والتحليلات الثقافية التي نشأت في فرنسا خلال ستينيات القرن الماضي):
«فوفقا لأطروحات ما بد البنيوية التي توافق عليها هاراوي، يقوم النظام الرمزي الغربي على تقابلات ثنائية: جسد/نفس، مادة/روح، عاطفة/عقل، طبيعي/اصطناعي، وما إلى ذلك، ومن ثمة فالمعنى هو منتوجٌ للإقصاء، والاصطلاح الأول من كل ثنائية يخضع هرميا للثاني المفضَّل عليه. وتحاول ما بعد البنيوية فضح الحيل التي تعزز بها هذه الهرميات الفلسفية وصولها إلى الحقيقة عن طريق إضعاف أعدائها»[33].
ترى هاراوي أن الثقافة السيبرانية تتخطى بطبيعتها خطَّ المقدس الفاصل الذي كان يميزُ سابقا بين الطبيعي والاصطناعي، والعضوي والأيقونوغرافي، وأنَّ النزعة السايبورغية والنسوية، من خلال اتحادهما، تُشاركان في انهيار المؤسَّسات المفاهيمية، وهو ما تسميه بـ «الشبكة الرمزية للأنا الغربية». تقول: «السايبورغ هو مخلوق في العالم بدون جنس؛ لا علاقة له بالثنائية الجنسية، والانصهار ما قبل الأوديبي أو استيلاب العمل»، ثم تخم بيانها السايبورغي بهذه الفكرة: «يمكن أن توحي صورة السايبورغ بنوع من الخروج من متاهة الثنائيات التي نُدرجُ فيها أجسادنا وأدواتنا، أي الآلات».
من خلال مشاركة السايبورغ في بناء عالم متخيل بدون جنسين، فهو يتيح لهاراوي أن تتجاوز المواقع النسوية التي تحاول إعادة التفكير في العلاقات الاجتماعية بين الجنسين، فترفض، على سبيل المثال، مبادئ الحركة النسوية الإيكولوجية (النسوية الإيكولوجية الطوباوية) التي تريد للجسم الحي أن يكون في تناقض تام مع التكنولوجيا، وتقول إن مثل هذه المواقف تقيده وتنتمي إلى عصر آخر. كما ترفض أيضا «نسوية الاختلاف» للحركات النسوية الأولى التي حاولت إرجاع المصطلحات والسمات الحاطة من قيمة الأنوثة من لدن التراتبية الأبوية، إلى أمكنتها (الحركة التي تؤكد، على سبيل المثال، أنَّ «الوجدان»، و«الأمومة»، و«الحساسية» وغيرها من الصفات التي يُفتَرَضُ أنها «متأصلة» في المرأة، هي ليست أقل نبلا من سمات الرجال، ولو أن المجتمع الذكوري يحط من قيمتها). ترى هاراواي أن هذه الأفكار سخيفة، إذ لم يعد للطبيعة والجسد وجود – على الأقل ليس بالمعنى الإنساني لفلاسفة الأنوار – منذ اللحظة التي وجد فيها الإنسانُ نفسه مرتبطا ارتباطا وثيقا بالتكنولوجيا وأتاحت البيوتكنولوجيا، على سبيل المثال، زرع أعضاء حيوانات في جسد الإنسان. النزعة الإنسانية القديمة لم تعد صالحة. على العكس من ذلك، يسمح السايبورغ بخلخلة الحدود بين الجنسين على نطاق واسع ومحو الحدود الجسدية المعتادة والانفتاح على التعددية واللاتحديد.
على صورة عالمة الاجتماع مونيك ييتج وماري-هيلين بورسييه أو الفيلسوفة بياتريس بريسيادو[34]، تعارض هاراوي على الخصوص موقفا نسويا معينا من العلم والتكنولوجيا، دون أن تشيطن التكنولوجيا أو تقبلها باعتبارها «شرا لابد منه». أخيرا، فهي لا تحابي هذه التكنولوجيا – المواقف الثلاثة التي لاحظناها في كثير من الأحيان، سواء عند الذين يريدون أن يكونوا ناطقين باسم «التكنولوجيين المتفائلين» أو لدى الذين يخشون التكنولوجيا. تجعل هاراوي من التكنولوجيا ببساطة أحد الوسائل التي بفضلها تمَّحي الحدود بين الهويات، إذ تكتب: «أن يكون المرء آخر هو أن يكون متعددا، بلا حدود واضحة، متمدِّدا ومجرَّدا (أي غير مادي)». ليسَ السايبورغ رجلا ولا امرأة، هو كائن هجين، وفسيفساء…
من خلال تسلح السايبورغ بهذه الصورة القوية لجسد مُعدَّل من أجل خلط المعايير والرمزيات الأشد رسوخا في حضارتنا، فهو مُتحوِّل تكنوبيولوجي ينتهك القواعد التقليدية المشتركة بين بقية البشر، وخاصة منها الثنائيات الثمينة: رجل/امرأة، خير/شر، وجسد/روح. ترى هاراوي أن هذه الأسطورة تتضمن إمكانيات هائلة للأشخاص الذين يرغبون في إجراء تحول عميق على الطبيعة الإنسانية ويسعون إليه. بدل التضادَّات الكلاسيكية التي تُقابِل بين الأشياء، تقترح هاراوي أن نؤسِّسَ علاقاتنا ليس على الفروقات الجنسية والعرقية والسياسية أو الاجتماعية، بل على التوافق والانسجام، والمصالح المتبادلة، متجاوزة بذلك الصراعات القديمة وهادفة إلى تأمل المكانة التي تشغلها المرأة وجميع الأقليات المهمشة في الوصول إلى عالم التكنولوجيا الفائقة كما هو اليوم وكما سيكون غدا.
ماكسنس غروجييه
الهوامش
[1] Cyborg: اصطلاح مركبٌ من جمع بين الأحرف الثلاثة الأولى لكلمة «سيبرنطيقا cybernétique» والحروف الثلاثة الأولى لمفردة «كائن حي organisme»، ويُشار به إلى كائن حي سيبراني (أو آلي)، بمعنى إنسان مزيج من مكونات بيولوجية وآلية. ظهر هذا المفهوم للمرة الأولى في ستينيات القرن الماضي في أوساط وكالة النازا الأمريكية، على يد الباحثين Manfred E. Clynes وNathan Kline، واقترحا من خلاله تصنيع إنسان تُعزَّز قدراته بحيث يستطيع أن يعيش في بيئة خارج الكرة الأرضية. وبذلك ارتبطت فكرة السابورغ بالبحث الفضائي والعسكري، وكذلك بالسيبرانية التي قدمت له أهم الإسهامات. ومن الأوساط العلمية، انتقلت الفكرة إلى أدب السايبربونك cyberpunk، وهو فرع من الخيال العلمي، فاستحوذت عليها سائر الوسائط، من أدب وسينما وتلفزة، ونشرتها على نطاق واسع بين الجمهور محولة إياه إلى فكرة شعبية. اعتمادا على:
– Anaïs Guilet, Pour une littérature cyborg. L’hybridation numérique du texte littéraire, Thèse présentée en cotutelle comme exigence partielle du doctorat en études littéraires, Université du Québec à Montréal et université de Poitier, novembre 2013. (المترجم)
[2] صدرت هذه الدراسة في Socialist Review، ثم نشرت كاملة في Simians, Cyborgs and Women : The Reinvention of Nature , New York, Routledge, 1991، وصدرت ترجمتها الفرنسية في مجلة Futur Antérieur, n° 12, 1992. ويتقدم المؤلف بالشكر إلى فيليب غروليي على قيامه بترجمة بيان السايبروغ Cyborg Manifesto.
[3] على حد تعبير عنوان الكتاب الصادر تحت إشراف ستيفاني هوز:
Stéphanie Heuze, Changer le corps??, Paris, La Musardine, 2000.
[4] Cf. Jean-Michel Truong, Totalement inhumaine, Paris, Institut Synthélabo, «Les Empêcheurs de penser en rond », 2001.
[5] يعتبر Hans P. Moravec أحد الآباء الروحيين للروبوتات في الولايات المتحدة، وهو يحاول في كتبه تخيل تداعيات عالم ما بعد بيولوجي تهيمن عليه آلات عاقلة وقادرة على تحسين نفسها ذاتيا وإعادة إنتاج نفسها. انظر لهذا المؤلف:
Robot: Mere Machine to Transcendent Mind, Harvard University Press, 1998; Mind Children, Harvard University Press, 1990 et Une Vie après la vie. Les robots avenirs de l’intelligence, Paris, Odile Jacob, 1992.
[6]فنان أسترالي من مواليد عام 1946، معروف بأداءاته في الفن الجسدي التي يمزج فيها بين الجسد البيولوجي ومكونات إلكترونية أو روبوتية، من منظور أن الجسد البشري مما عفا عليه الزمن، وهو من مروجي نزعة الإنسانية العابرة، إلى جانب فنان آخرين، مثل أورلان Orlan، وإدواردو كاك Eduardo Kac، وآرثر إلسونار Arthur Elsenaar، وناتاشا فيتا مور Natasha Vita-More، وعزيز وكيوكر Aziz et Cucher، وغيرهم. وقد ترجمنا له ضمن الكتاب الحالي مقالة «الأذن الثالثة أو أذن تحت الذراع».(م).
[7] تعتمد أجهزة الإرسال والاستقبال على السيليكون، لها لاقط هوائي خارجي ولاتحتاج إلى شحن بالطاقة. وهي مبرمَجَة لكي ترسل بشكل دائم رقما تعريف فريد. يتم توفير مصدر الطاقة المطلوب من خلال المجال الكهربائي الذي تنتجه وحدة القراءة التي تحمله. وعمر استخدام أجهزة الإرسال طويلٌ، كما أنها لاتحتاج لأي صيانة.
[8] أصبح المعادل التكنولوجي لـ «هبة الانتشار» التوراتية ممكنًا لشخص يتصل بخوادم مختلفة في جميع أنحاء العالم، مما يعطي الانطباع بأنه يوجد في عدة أماكن في الوقت نفسه ويتحاور مع عدد لاحصر له من الأشخاص، لاسيما بفضل شبكات المؤتمرات عن بعد.
[9] يشير اصطلاح الهيكل الخارجي exhosquelette، في علم الأحياء، إلى الدرع (القرني او العظمي) الذي يغطي الذباب والحشرات والسلاحف وبعض الرخويات. ويتم إقرانه بالسايبورغ للإشارة إلى درع آلي يُفترض أن يضاعف ويحمي الإنسان الذي يرتديه.
[10] ثمرة لبحوث الداربا DARPA (وكالة أبحاث الدفاع الأمريكية)، أطلقت الوكالة في عام 2000 برنامجا لصناعة بذلة قتالية قادرة على معالجة جندي البحرية الذي يرتديها، ودله على موقع العدو في ساحة المعركة والبقاء على اتصال دائم وفي الوقت الحقيقي مع قيادته العليا.
[11] شاعت تلك القصص الخيالية من خلال شخصيات مثل الرجل الذي بلغت قيمته ثلاث مليارات أو شخصية روبوكوب Robicop.
[12] Claudia Springer, Electronic Eros, University of Texas Press, 1996.
[13] في عام 1942، اجتمع باحثون من عدة تخصصات (منظرون من من فيزياء الكم، وعلماء رياضيات، ومهندسون، وبيولوجيون، وأطباء مرض عقلي، وعلماء نفس) وشكلوا شبكة غير رسمية للتبادل العلمي. من بينهم نجد عالمي الرياضيات نوربرت وينر Norbert Wiener وجون فون نيومان، والمهندسين جوليان بيجيلو John Von Neumann وكلود شانون Claude Shannon، وبيولوجيي الأعصاب رافائيل لورينت دو نو Rafael Lorent de No وأرتورو روزنبلويث Arturo Rosenblueth ، وطبيب الأمراض العقلية العصبية وارين ماك كولوش Warren McCulloch والفيزيائيين والتر بيت Warren McCulloch… من عام 1946 إلى عام 1952، قامو بادةوا بعقد سلسلة من المؤتمرات: مؤتمرات ماسي. في عام 1946، قدم أرتورو روزنبلويث Arturo Rosenblueth ثمرة النقاشات مع وينر وبيجلو Bigelow التي أدت إلى ولادة مفهوم ومصطلح «السيبرانية» (علم التحكم الآلي). انظر:
André Claude Potvin, L’Apport des récits cyberpunk à la construction sociale des technologies du virtuel, Montréal, 1997.
[14] Norbert Wiener, «Cybernetics – or Control and Communication» in The animal and the machine, The MIT Press, 1961 (deuxième édition)
[15] في عدد متصاعد من البيوت في البلدان الصناعية وبين النخب في الجنوب.
[16] William Gibson, Neuromancien (New York, Ace, 1981), Paris, J’ai Lu, 2001, nouvelle édition).
[17] Jeremy Rifkin, La Fin du travail, Paris, La Découverte, 1ère édition, «Poche», 1997. édition française 1996).
[18] التي برع في استخدامها الرئيس الحالي بوش خلال حملته الصليبية ضد «قوى الشر».
[19] Jeremy Rifkin, op. cit., p. 73.
[20] Mark Dery, Vitesse virtuelle .La cyberculture aujourd’hui, Paris, Éditions Abbeville, 1997.
[21] في فيلم 2001 أوديسا الفضاء (2001 L’Odyssée de l’espace) الصادر عام 1968، يوضح آرثر س. كلارك Arthur C. Clarke جيدا الاستيهام الذي يرى أنه يمكن لأجهزة الكمبيوتر أن تستولي على السلطة، مما يفترض مسبقًا الحاجة إلى قوانينها الثلاثة الخاصة بالروبوتات: «القانون الأول: لا يمكن للإنسان الآلي أن يؤذي إنسانًا، أو يظل سلبيًا، فيترك هذا الإنسان معرضًا للخطر. القانون الثاني: يجب أن يلتزم الإنسان الآلي بالأوامر التي يصدرها البشر ما لم تتعارض هذه الأوامر مع القانون الأول. القانون الثالث: يجب على الإنسان الآلي أن يحمي وجوده إلى الحد الذي لا تتعارض فيه هذه الحماية مع القانونين الأول أو الثاني.
Isaac Asimov, Les Robots, Paris, J’ai lu, 1967 (édition originale, 1950).
[22] Mark Dery, op. cit., p. 222.
[23] حول هذه المسألة، انظر:
Fulvio Caccia, Cybersexe.Les connections dangereuses, Arléa, 1995.
[24] Marshall Mc Luhan, The Medium is the Message, Bentham Book, 1967, (édition française épuisée).
[25] Blade Runner: فيلم للمخرج ريدلي سكت Ridley Scott صدر عام 1982، حول فيه إلى عمل سينمائي رواية فيليب ديك Philip Dick هل تحلم الروبوتات الشبيهة بالإنسان بالخراف الكهربائية؟ (م).
[26] فمصطلحات مهينة نوعا ما يُشار بها في الولايات المتحدة إلى المتعصبين للكمبيوتر.
[27] Conrad Bronski, «Les mutantes», Sans Nom, La Revue des Mœurs, n° 1, hiver, 1993-94, p. 98.
[28] Julius Wiedemann, Digital Beauties, Paris, Éditions Taschen, 2001.
[29] Naomi Wolf, Beauty Myth: How Images of Beauty Are Used Against Women, New York, Vintage, 1991.
[30] فيلم خيال علمي من إنتاج أنجلو- فرنسي- كندي، صدر عام 1999، أخرجه المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ David Cronenberg، وحكايته أنَّه في مستقبل قريب، سيتصل لاعبو ألعاب الفيديو بالعالم الافتراضي عن طريق وحدة تحكم تسمى pod، وهي برمائية معدلة وراثياً تتصل بالنظام العصبي للاعب من خلال ثقب محفور أسفل ظهره، فيتحول اللعب إلى كابوس، جراء تدخل مجموعة أفراد واقعيين متعصبين معارضين لـ «تكنجة» الإنسان (أي تحويله إلى كائن تكنولوجي)، إذ لم يعد الأمر يتعلق بمواصلة مغامرة اللعب، بل بالسعي للبقاء على قيد الحياة … المترجم، عن موسوعة ويكيبديا الفرنسية، مادة: eXistenZ. (م).
[31] في عام 1999، أقام زوجان ألمانيان حفل عرس حقيقي «افتراضي». تم تجهيز العروسين بقميصين من الواقع الافتراضي – حيث أتاحت لهما تقنية سيبرانية تشتمل على لاقطات وأجهزة استشعار أن يعيشا تجربة اللمس، والبصر، والسمع، على بعد آلاف الأميال.
[32] Stelarc, «Obsolete Body», http://www.stelarc.va.com
انظر أيضا الحوار الذي أجراه مع هذا الفنان نفسه جان دونغي Jacques Donguy:
«Le corps obsolète», Quasimodo, n°5, (« Art à contre-corps »), printemps 1998, p. 111-119.
[33] Mark Dery, op.cit., p. 254.
[34] Monique Wittig, Éditions Balland, 2001; Marie-Hélène, Bourcier, Queer Zones, Éditions Balland, 2001; Beatriz Preciado, Manifeste contra-sexuel, Paris, Éditions Balland, 2000